تهتم العلوم الاجتماعية بدراسة السلوك الإنساني والذي يشمل جوانبه الاجتماعية والثقافية وتضم العديد من العلوم الإنسانية مثل علم الاجتماع وعلم النفس والخدمة الاجتماعية والاقتصاد.
وتعود العلوم الاجتماعية إلى الأصول الإغريقية واليونانية القديمة وتشكِّل تراثاً قوياً في تاريخ الفكر الاجتماعي بسبب استفساراتهم العقلانية عن الطبيعة البشرية والأخلاق ولذلك فإن علاقة العلوم الاجتماعية بالمجتمع الإنساني علاقة تفاعلية باعتبارها تؤثر على بنائه ومستقبله من خلال تمويل البحوث والدراسات العلمية والآثار التي تترتب على الموضعية العلمية.
ولقد اهتم عدد كبير من المفكرين والباحثين في الشرق والغرب بالدعوة إلى إثراء العلوم الاجتماعية ومنها علم الاجتماع. ومن الخبراء في هذا المجال عالم الاجتماع المصري الراحل الأستاذ الدكتور عبد الباسط عبد المعطي أستاذ علم الاجتماع في جامعة عين شمس ممن أثروا هذا المجال العلمي بالأبحاث والدراسات المتخصصة ومؤلفاته الثقيلة في وزنها المعرفي التي تؤصل علم الاجتماع واتجاهاته النظرية البنائية والوظيفية.
ولد العالم الراحل عبد الباسط عبد المعطي - رحمه الله- في بني سويف بجمهورية مصر العربية عام 1943م، وبعد أن أنهى تعليمه العام بتفوق التحق. بجامعة القاهرة وحصل على البكالوريوس بتفوق ليزداد طموحه ورغبته الجادة في مواصلة تعليمه العالي فنال درجة الماجستير في علم الاجتماع ثم تلا ذلك شهادة الدكتوراه عام 1972م مع مرتبة الشرف الأولى من جامعة القاهرة العريقة، وفي المجال الوظيفي عمل في بدياته باحث مساعد وتدرج حتى وصل خبيراً بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بالقاهرة كما شغل العالم الراحل وظيفة نائب رئيس وحدة بحوث الرأي العام والإعلام, كما عمل مشرفاً على وحدة التنمية الريفية والسكان قبل أن ينتقل للعمل الأكاديمي في جامعة عين شمس وعمل أستاذاً مساعداً في السبعينيات الميلادية وتدرج حتى نال (الأستاذية)، حيث ترأس قسم الاجتماع بكلية البنات بجامعة عين شمس (1996-2002) كما ترأس قسم الاجتماع كلية الإنسانيات بجامعة قطر أثناء إعارته لمدة خمسة أعوام من جامعة عين شمس، كما أعير كخبير في التخطيط الاجتماعي بالمعهد العربي للتخطيط بالكويت حلال الفترة (1979-1982) ليعود بعد تجربة علمية وتعليمية وبحثية في بعض الجامعات الخليجية إلى جامعة عين شمس التي أسهم مع بعض الخبراء في علم الاجتماع في تطوير المنهجية العلمية بقسم الاجتماع. وفي مجال العضوية اختير - رحمه الله - عضواً في فريق إنجاز وتحرير التقرير الاجتماعي العربي الموحّد -جامعة الدول العربية 2002, وعضو فريق تحديث ميثاق وإستراتيجية التنمية الاجتماعية العربية - جامعة الدول العربية 2001, وعضو الفريق المركزي لمشروع مستقبل مصر 2002 منتدى العالم الثالث, وعضو مجلس العلوم الاجتماعية -أكاديمية البحث العلمي القاهرة - 2003-2005، عضو مؤسس في لجنة الدفاع عن الثقافة القومية بمصر, عضو اللجنة العلمية الدائمة للترقيات لوظائف الأساتذة (علم الاجتماع) بالجامعات المصرية (1984-1996) عضو اللجنة العلمية بالمجلس العربي للطفولة والتنمية-القاهرة 1997-1998 وعضو مجلس إدارة المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية (2003-2006) وعضو ومؤسس ورئيس مجلس أمناء المركز القومي للبحوث الاجتماعية عام 2003,كما شارك العالم المعروف عبد الباسط عبد المعطي في تأسيس الملتقى السنوي لأجيال المهتمين بعلم الاجتماع في الوطن العربي 1989 كما اختير أميناً عاماً للجمعية العربية لعلم الاجتماع (1998-203) ثم رئيساً للجمعية العربية لعلم الاجتماع من (1985 إلى 1996). وعندما تتجه بوصلة إنتاجه العلمي ومؤلفاته الثرية إلى علم الاجتماع وميادينه.. فقد ألف العالم العربي الراحل (د. عبد الباسط عبد المعطي) العديد من الكتب، ومنها كتاب: في نظرية علم الاجتماع 1972, وكتاب البحث الاجتماعي، 1974 وكتاب الصراع الطبقي في القرية المصرية, وكتاب توزيع الفقر في القرية المصرية, وكتاب علم اجتماع الأدب وكتاب مقدمة نقدية في علم الاجتماع (مترجم تأليف ديفيد ريدل ومارجريت تولسون عام 1973, وكتاب مطالعات نقدية في الاتجاه السوفيتي في علم الاجتماع عام 1979 وكتاب البترول والتغيّر الاجتماعي 1982 وكتاب علم الاجتماع الاقتصادي 1985 وكتاب التنشئة الاجتماعية في قرية مصرية 1984, وكتاب التنمية الاجتماعية وكتاب التنمية البديلة وكتاب المثقف الماركسي المصري المعاصر 1988 وترجمة كتاب الخيال السوسيولوجي تأليف رايت ميلز 1989. كما قدم العديد من البحوث العلمية والدراسات الغنية حول السكان والتنمية والتنشئة الاجتماعية والنظرية الاجتماعية وقضايا الأسرة والشباب والطفولة والصحة والقضايا الأمنية وغيرها من الأبحاث الثرية التي تؤصِّل الاتجاهات النظرية في علم الاجتماع.
وفي مجالات اهتمامه العلمي كانت بوصلته الأكاديمية تتجه إلى: النظرية الاجتماعية والتغير الاجتماعي ومناهج البحث، والعولمة والأسرة والفقر والعنف الأسري والطلاق، ومشكلات الشباب والنظم الاجتماعية، والثقافة ومشكلات النمو الحضري, والسكان وبرامج الأسر المنتجة، والضبط الاجتماعي والقضايا الجنائية ليشكل رقماً صعباً في دراسة الاتجاهات النظرية في علم الاجتماع وأصول البحث الاجتماعي الذي كان عالماً فذاً متخصصاً بأفق واسع وفكر عميق في هذه الاتجاهات السوسيولوجية.. فترك بصماته الواضحة في تأصيل النظرية الاجتماعية في علم الاجتماع العربي.
وفي سياق الدورات والندوات والمؤتمرات وورش العمل في المجالات الاجتماعية والتنموية والأمنية والتغيير الاجتماعي والثقافي حضر البروفيسور عبد الباسط عبد المعطي-رحمه الله- العديد منها في بعض الصروح الأكاديمية المصرية والعربية والدولية .كما أشرف على العديد من الرسائل العلمية الجامعية التي تم الإشراف عليها، أو المناقشة لها داخل وخارج جامعة عين شمس العريقة. وفي ظل الإنتاج العلمي الرصين والمخزون المعرفي اختير من ضمن علماء الاجتماع في مصر (الجيل الثاني) الذين وضعوا هذا العلم الخصيب على الخريطة المعرفية العربية المعاصرة وأبرزهم د. علي ليله، د. محمد فؤاد حجازي، د. أحمد زايد, د .محمد الجوهري ود. فاروق العادلي، د. علياء شكري، د. آمال عبد الحميد, د. علي جلبي, د, جبارة عطية وغيرهم من خبراء الاجتماع الذين أسهموا في تأثيث مكتبة علم الاجتماع في الوطن العربي بحثاً وفكراً وتطبيقاً.
توفي العالم الكبير أ. د. عبد الباسط عبد المعطي في 26 مايو 2010 جراء أزمة قلبية مفاجئة عن عمر يناهز 67 عاما بعد أن ترك إسهامات علمية ومؤلفات منشورة في علم الاجتماع كقامة أكاديمية وهامة علمية جمعت الفكر الاجتماعي المتخصص, والأفق الواسع، ونفاذ البصيرة في عمق الواقع الاجتماعي من خلال أطروحاته وأبحاثه وكتاباته عن مشكلات وطنه الاقتصادية والاجتماعية التي كان يتناولها من بعد وطني وحس اجتماعي وعمق معرفي.
** **
- خالد الدوس