يعد الكتاب مقارنة بأساليب القدماء من كتب المقالات الخفيفة، وكما يتضح من اسمه صيدٌ لخواطر ابن الجوزي، أي أنه ما يخطر في باله- رحمه الله- ويصطاده في اللحظة، وقد وصل بنا إلى 365 خاطرة، وكأن كل خاطرة تعبّر عن يوم في السنة، وهذا ما اصطاده خاطري في هذه اللحظة! ...
تكلم في قضايا عديدة إلا أن أهم قضية يدور حولها هي فكرة «التوازن» في الحياة بين الزهد والترف، وكأنه يوجه رسائل لناس معينين تنتقد ما يُظن أنه ترف بالنسبة للعلماء والدعاة، فهو يحاول أن يبرر ذلك بأنه أمر طبيعي، فالداعية بشر له رغباته مثل غيره.
ابن الجوزي كان متدينا واعظا، يرغب في الآخرة ولا ينسى نصيبه من الدنيا، فهو لا يرى أن الزهد هو الأساس، بل إن الأساس هو أن تعيش الحياة كما هي وعظ، وكسب، وعلاقات، وملذات، وكلها بحدود المباح، فالأصل في الأشياء الإباحة، وذلك لضرورة أن يستغني الداعية بماله عن غيره، وضرب أمثلة بسعيد بن المسيب الذي كان تاجر زيت، وسفيان الثوري الذي كان لديه بضائع.
وكذلك أشار إلى المعصية وأثرها على الإنسان، وهل تكون عقوبتها مبكرة في الدنيا، أم متأخرة في الآخرة، حيث يرى أن ما نراه من تمادي العاصي في معاصيه ليس إلا عقوبة على معاصيه فقد قيل «إن المعصية بعد المعصية عقاب المعصية، وأن الحسنة بعد الحسنة ثواب الحسنة»، قال تعالى: «ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خيرٌ لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين»، سورة آل عمران 178.
كما أن قضية التسليم بأمر الله أحد المواضيع المهمة التي ناقشها بكثرة، فالمؤمن «ليس الذي يؤدي فرائض العبادات كحركة، ويتجنب المحظورات، إنما المؤمن الكامل الإيمان لا يختلج في قلبه اعتراض ... إلخ.» ثم يكمل «يعلم انه مملوك وله مالك يتصرف بمقتضى إراداته»
أي أن الإيمان، العبودية الكاملة والتسليم التام بكل ما قدّر وكتب، ويشير في موقع آخر إلى قوله تعالى: «فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع هل يذهبن كيده ما يغيظ»، والمعنى اعترض او لا تعترض فمن رضي بأفعالي وإلا فليخنق نفسه فما أفعل إلا ما أريده.
هناك بعض الملاحظات حول الكتاب، ومنها رأيه حول الفلسفة حيث يشير إلى أن «خلقا من العلماء في ديننا لم يقنعوا بما قنع به رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من الانعكاف على الكتاب والسنة، فأوغلوا في النظر في مذاهب أهل الفلسفة». وفي نظري أن الفلسفة هي التي هجمت على الإسلام، وكان لزاما على علماء المسلمين الدخول في هذا المعترك، فالفتوحات والتوسع الإسلامي أدى إلى دخول عقائد وأفكار غريبة كان لا بد من التصدي لها، ومقارعة الحجة بالحجة لا الانغلاق على الذات والتقوقع داخل محيط واحد، فتنتشر الفلسفة دون أن يتصدى لها أحد لتوضيح أخطائها وأغلاطها.
أخيراً ...
الكتاب جميل ويستحق أن يأخذ وقتاً من الإنسان.
ما بعد أخيرا...
إذا ركبت سفينة.. هناك احتمالان...
إما أن تصل إلى بر الأمان أو تغرق...
مع ابن الجوزي ...
فأنت على ظهر سفينة لا غرق فيها... ولكن هناك بعض التموجات.
** **
- خالد الذييب