جانبي فروقة
صدر تقرير أممي صادم (عن الأمن الغذائي العالمي ) شاركت فيه منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة وصندوق التنمية الزراعية واليونيسف وبرنامج الأغذية العالمي ومنظمة الصحة العالمية يبين بأن العالم يبتعد أكثر فأكثر عن هدف تحقيق القضاء على الجوع بعام 2030م فقد ارتفع عدد الجياع إلى 828 مليون شخص في 2021 بزيادة 150 مليون شخص منذ تفشي جائحة كوفيد 19 عام 2019م.
في عام 2021 م عانى حوالي 2.3 مليار شحص في العالم (29.3 %) من انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد وهذا يمثل زيادة 350 مليون شخص إضافي مقارنة بما قبل تفشي جائحة كوفيد 19.
و يقدر التقرير أن 45 مليون طفل دون الخامسة من العمر يعانون من الهزال الناتج عن سوء التغذية والذي يزيد خطر الوفاة 12 ضعفاً كما عانى 149 مليون طفل دون الخامسة من العمر من توقف النمو (التقزم) والتطور بسبب النقص المزمن للمغذيات الأساسية في أنماطهم الغذائية.
ومما لا شك فيه أن كوفيد 19 وحرب روسيا - أوكرانيا الجارية ما زالت تساهم في تعميق الفجوة الغذائية حيث إن الحرب خلقت اضطراباً في سلاسل الإمداد الغذائي بالعالم ولا سيما أن روسيا وأوكرانيا وحدهما تساهمان بـ 30 % من حصة إمداد العالم بالحبوب والزيت.
يحث التقرير على اتخاذ تدابير وسياسات استباقية وتبني الزراعة الذكية لتحسن من توافر الأنماط الغذائية الصحية والقدرة على تحمل تكلفتها وإعادة زيادة وتوجيه الدعم لتخفيض تكاليف الأنماط الغذائية الصحية وعلى سبيل المثال يشير التقرير إلى أمر لافت وهو أن متوسط الدعم لقطاع الأغذية والزراعة بلغ حوالي 630 بليون دولار أمريكي في السنة بين عامي 2013م و 2018 غير أن القدر الأكبر من هذا الدعم موجه للأسواق ولا يصل للعديد من المزارعين ويلحق الضرر بالبيئة ويتركز الدعم على الأرز والسكر واللحوم في حين أن الفواكه والخضراوات تتلقى قدراً أقل نسبياً من الدعم ولا سيما في البلدان المنخفضة الدخل.
سيصل عدد سكان العالم إلى 8 مليارات نسمة بعد أن كان في عام 1800م مليار نسمة فقط وحسب التقرير الأممي 1 من كل 10 أشخاص يعاني من سوء التغذية المزمن و الموارد مهددة. ورغم هذه الزيادة في عدد السكان وحسب الخبراء فإن معدل الوفيات سيتجاوز في نهاية هذا القرن معدل الولادات و هذا سيجعل شيخوخة السكان تحدياً كبيراً يواجه العالم في العقود المقبلة. و طبعاً هذه الزيادة في عدد سكان الكوكب ستساهم في زيادة غازات الاحتباس الحراري.
أصدرت شركة ماكنزي مؤخراً تقريراً يبين أن العالم يفقد أو يهدر أكثر من 2 بليون طن من الغذاء سنوياً وحوالي نصف هذه الكمية تفقد عند الحصاد والمناولة والتخزين بعد الحصاد والمعالجة وتقدر قيمة فقدان الغذاء بـ 600 بليون دولار ولا بد من التركيز على هذه الفجوة واقتراح الحلول الناجعة وسيكون لذلك الأثر الإيجابي على حياة الناس والأعمال.
و ذكرت ماكنزي إحصائية مدمرة تبين أن 33 إلى 40 % من طعام العالم يُفقد أو يُهدر كل عام وحاولت أن تركز على الفرق بين «فقد الطعام» الذي يحدث عند الحصاد أو بعد ذلك بفترة وجيزة وبين «إهدار الطعام» وهو الذي يحدث بعد وصول الطعام إلى بائع التجزئة أو المستهلك.
و طبعاً الأثر السلبي الآخر المرتبط بقضية فقدان وهدر الطعام هو استهلاك المياه المرتبط بهما والذي يصل إلى ما يقرب من ربع إمدادات المياه العذبة في العالم وكذلك هناك أثر انبعاثات غازات الاحتباس الحراري المرتبطة أيضاً بفقدان الأغذية وهدرها والتي تصل إلى 8 % من الإجمالي العالمي أو أربعة أضعاف انبعاثات صناعة الطيران على الأقل.
الخبر السار في تقرير ماكنزي هو أنه يمكن الحد من فقد الطعام بنسبة 50 إلى 70 % إذا ما تم التعاون و تبني سياسات توجيهية ودعم في سلسلة القيمة الغذائية بين المزارع - المنتج و مصنعي المواد الغذائية وتجار التجزئة ويمكن إعادة توجيه ثلثي الطعام المفقود إلى الاستهلاك البشري والثلث الآخر إلى استخدامات بديلة كعلف للحيوانات وغيرها.
ومعالجة قضية فقدان الأغذية ستعود بفوائد اقتصادية ومناخية بتقليل نطاق مساهمتها في الانبعاثات لغازات الاحتباس الحراري بنسبة 4 إلى 9 % و تؤكد الدراسة أن تكلفة الغذاء لتجار التجزئة ستنخفص بنسبة 3 إلى 6 % وتكلفة المصنعين الغذائيين بنسبة 5 إلى 10 % .
و اختارت شركة ماكنزي رحلة الطماطم إلى السوق لتوضح الكارثة حيث قدرت ماكنزي أن العالم يفقد كميات تقدر ب 50 مليوناً إلى 75 مليون طن من الطماطم، تُفقد عند وقت الحصاد كل عام وبعد دراسة رحلة الطماطم في كل من الأسواق المتقدمة والنامية خلصت الدراسة إلى أنه من بين كل 100 طماطم يصل فقط 59 إلى 72 فقط إلى رف المتجر في أسواق الدول المتقدمة وفي العالم النامي الأرقام أكثر قتامة حيث يصل فقط 35 إلى 58 إلى المتجر. لذلك هناك الكثير لفعله لتحويل هذه الخسارة إلى فرصة اقتصادية متميزة.
سلط مؤتمر COP27 للمناخ والمقام مؤخراً في شرم الشيخ في مصر على التحديات والحلول الزراعية في مواجهة تغير المناخ وكانت الرسالة واضحة «تكيف أو تضور جوعاً» والأرقام فاجعة فهي تكشف أن صغار المزارعين من البلدان النامية ينتجون ثلث غذاء العالم ومع ذلك فهم يتلقون فقط 1.7 % من تمويل المناخ كمساعدة للتكيف مع الجفاف والفيضانات والأعاصير والكوارث الأخرى.
لا بد من التركيز على تحسين ودعم نظم إنتاج الغذاء والزراعة وتربية الأحياء المائية لأنها مسؤولة عن أكثر من ربع انبعاثات غازات الاحتباس الحراري البشرية المنشأ والتي تسهم بتغير المناخ ومن ناحية أخرى فإن تغير المناخ نفسه يعيق إنتاج الغذاء العالمي وقد حذرت منظمة الفاو من ارتفاع فاتورة الواردات الغذائية العالمية إلى 1.94 تريليون دولار خلال 2022 ( و هذا يمثل 10 % زيادة عن فاتورة العام الماضي) وكذلك التوقعات تشير إلى ارتفاع فاتورة واردات المدخلات الزراعية (كالأسمدة) بنسبة 48 % مقارنة بالعام 2021 م.
التركيز على رحلات المحاصيل الزراعية هي من سيحدد وصول الأمن الغذائي العالمي لبر الأمان و للأسف ما زالت التوقعات تشير إلى أنه في عام 2030 م سيكون لدينا أكثر من 600 مليون جائع في العالم.
** **
- كاتب مقيم في الولايات المتحدة الامريكية