مشعل الحارثي
لم نكد نكمل الأسبوع على رحيل ابن العمة عايد بن زيد العمراني الحارثي الذي غادر دنيانا بعد مرض عضال عانى منه لسنوات عدة- رحمه الله وأسكنه فسيح الجنان والهم أبناءه وأسرته الصبر والسلوان- حتى فوجئنا بالخبر الفاجع بوفاة ابن أخيه الشاب عمر بن حسين بن زيد نتيجة حادث مروري أليم برفقة مجموعة من زملائه بطريق الشفا بالطائف الذي أفزع الجميع وجعلهم يتوجهون لفقيدنا وأسر من فقدوا معه بصادق الدعاء بأن يحسن عزاءهم ويجبر كسرهم وأن يمدهم بالقوة والعزيمة على الصبر واحتساب الأجر من المولى عز وجل خاصة عند الصدمة الأولى ..وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ، الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
يوم الوداع وهل أبقيت في خلدي
إلا الأسى في حنايا القلب يستعر
ولا شك أن فقد الأبناء موجع للقلب مؤلم للنفس وخاصة للوالدين وهم يرون فلذات الأكباد وقد رحلوا عنهم فجأة بعد أن ترعرعوا في أحضانهم ورعتهم قلوبهم وعيونهم طوال الليالي والأيام. ولكن ما يمنحنا الرضى والقبول بأمر الله وقدره قوة الإيمان بقدر الله وحكمه، والقناعة التامة بأن من فقدناهم قد استوفوا نصيبهم وحظهم المقدر والمكتوب لهم من الحياة الدنيا، وأنهم قدموا على رب كريم غفور رحيم هو من خلق وأوجد من عدم، وهو الذي استعاد وداعته التي أودعها بين يدي والديه، كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ.
إذا ذكرتك يوماً قلت واحزنا
وما يرد على القول واحزنا!؟
يا سيدي ومراح الروح في جسدي
هلا دنا الموت مني حين منك دنا
يا أطيب الناس روحاً ضمها بدن
أستودع الله ذاك الروح والبدنا!
ولنتذكر دوماً أن هذه هي الدنيا نزول وارتحال إلى قيام الساعة، وتلك هي فواجع الأيام وآلامها ومواجعها تكدر دائماً صفو الحياة وسعدها وتنتزع منا كل حبيب وقريب، وهذا هو الموت الذي نجفل منه ومن ذكره خائفين وجلين فيلاقينا دون سابق موعد ولو بعد أمد وحين.
وكل مصيبات الزمان وجدتها
سوى فرقة الأحباب هينة الخطب
وهو ما يهدئ من روع الأنفس وحزنها ويخفف الأسى والندامة على فراق الأحبة والمقربين ويمنحها الصبر على لوعة الرحيل والغياب.
فلا تبكين في أثر شيء ندامة
إذا نزعته من يديك النوازع
ويبقى استعراض مآثر الراحلين عن دنيانا ومواقفهم الحسنة وما قدموه من فعل جميل غضاً طرياً وذكراً حسناً يستحثنا باستمرار على ذكرهم والدعاء الصادق لهم بالرحمة والمغفرة. وهذه نعمة كبرى من نعم المولى عز وجل على عباده أن يبقي ذكر الطيبين وأعمالهم الحسنة باباً موصولاً للدعاء لهم في حياتهم وبعد مماتهم.
وأحسن الحالات حال أمرئ
تطيب بعد الموت أخباره
يفنى ويبقى ذكره بعده
إذا خلت من بعده داره
فصبراً صبراً آل زيد على مصابكم الجلل وكان الله في عونكم وجمعكم بمن فقدتم وتواروا عن نواظركم في دار النعيم المقيم. ولا يسعني إلا أن أتوجه بصادق المواساة وأحر التعازي للعمة العزيزة التي توالت عليها الأحزان بعد أن فُجعت في الابن ثم في الحفيد وما تعانيه أيضاً من أمراض كتب الله لها الشفاء العاجل، وخالص التعزية لوالد الفقيد حسين بن زيد وأم الفقيد وأعمام الفقيد عيضه وهلال ولكل إخوانه من ذوي زيد بن زايد العمراني الحارثي وأسرتهم وأنسابهم من ذوي العم الراحل رجا الله بن حسين العمراني الحارثي -رحمه الله، ولخامس البلوى عامة. وتغمد الله من فقدناهم جميعاً بواسع رحمته وعوضهم في شبابهم وأكرم نزلهم وألهم ذويهم الصبر والسلوان و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.