وُلد في وادي السرحان عام 1363هـ ونشأ في البادية بكنف والديه يرعى أغنامهم، وشبَّ عصامياً طموحاً، وشقَّ طريق النجاح بكفاحه وعمله الدؤوب، أخذ من البادية الصبر والوقوف كالجبل في مواجهة المصاعب، وعندما بلغ الثالثة عشرة من عمره، بدأ يحلم بتعلم القراءة والكتابة، لكن والده يقف أمام هذا الحلم حرصاً عليه، من المدينة والتحضّر، ولأنه لن يجد من يعتني بالأغنام بعده.
وفي عام 1380هـ التحق بوزارة الدفاع والطيران جندياً، متنقلاً بين البدع والشيخ حميد في جنوب محافظة حقل في فترات متفاوتة، ولحرصه على التعليم فقد استعان بأصدقاء المهنة لتعليمه القراءة والكتابة، حتى تجاوز بمساعدتهم الصف الثالث الابتدائي، ثم وجد العون من قائد الكتيبة/قياض بن سالم الكويكبي الذي ساعده على إتقان الحساب والهندسة (الرياضيات) فحقق النجاح الذي كان ينشده، فقرر الالتحاق بالمدرسة، فنهض يحمل الحلم والأماني متوجهًا إلى مدرسة الخالدية الليلية بتبوك، فكانت تلك المرة الأولى التي يدخل فيها مدرسة، شعر للوهلة الأولى أنه يدخل حديقة غناء، بها ما لذَّ وطاب من صنوف العلم، أخذ يتجول بين الفصول، يجلس هنا، ثم ينهض ويجلس هناك، والطموح يقف شامخاً نصب عينيه، حتى التقى مدير المدرسة، وتقدم بطلب الالتحاق بها، ولكن طلبه قوبل بالرفض، فلم ييأس، بل زاده ذلك إصراراً، فالتحق بالصف الخامس الابتدائي (منازل)، رغبة منه بالحصول على شهادة تمكنه من الالتحاق بالمدرسة، وحصل على الابتدائية في عام 1385هـ، فكانت أولى خطواته إلى النجاح، فتقدم للالتحاق بالمعهد العلمي بتبوك، فكان القبول مشروطاً بتجاوز الاختبار في 24-5-1385هـ فإن تجاوز فالدراسة تبدأ بعد أسبوع مباشرة، فاضطر لتقديم إجازة من عمله لكن طلبه قوبل بالرفض، فكان لابد من المغامرة فتقدم بطلب الاستقالة من عمله اعتباراً من 1-7-1385هـ.
وفي مقر عمله كان لابد من مغامرة أخرى، يتمكن من خلالها في الالتحاق بالمعهد، فما كان منه إلا الهروب من الكتيبة سراً خلال الأسبوع الدراسي، من أجل أن يتمسك بفرصة التعليم، وأصبح في كل يوم في مغامرة جديدة للخروج من الكتيبة تنجح تارة، وتكتشف تارة أخرى، وفي لحظات انتظاره لقرار استقالته من العمل كانت الصدمة في صدور قرار فصله من المعهد لكثرة غيابه، فبدأ في تحد جديد لم يكن في الحسبان.
استلم قرار فصله من المعهد بيد، وقرار فصله من العسكرية باليد الأخرى، وحمل الاثنين معاً ميمماً وجهه إلى العاصمة الرياض، لعله يجد من يخرجه من عنق الزجاجة، للالتحاق بالمعهد العلمي هناك، ولكنه لم يقبل بحجة أنه فصل من معهد تبوك، لكن الله سخر رجلاً أشار له بالذهاب إلى الشيخ: عبدالعزيز المسند الرئيس العام للكليات والمعاهد ليشرح معاناته له، فذهب من حينه يسابق الريح حتى وجد نفسه واقفاً أمام الشيخ الذي رحَّب به وغمره بعطفه وشدَّ على يده وشجعه، ثم وجهه للالتحاق بالمعهد العلمي بعرعر، فذهب هناك وقُبل في المعهد في شهر رمضان عام 1385هـ، وكان لمدير المعهد الأستاذ: صالح الضيف الفضل بعد الله في تشجيعه ومد يد العون له طوال فترة الدراسة.
بدأ الدراسة ودعوات والدته تحيط به من كل جانب؛ فحصل على الشهادة الثانوية عام 1390هـ، ثم على ليسانس كلية الشريعة بالرياض عام 1394هـ، بعدها عُيِّن معلماً في مدرسة متوسطة عرعر، ثم وكيلاً لها، ثم التحق في عام 1397هـ بجامعة الرياض [جامعة الملك سعود حالياً] وحصل منها على الدبلوم العام في الإدارة المدرسية، قم رقي استثنائياً إلى المرتبة الثامنة وعُيِّن مديراً لثانوية عرعر، ثم التحق بدورة المنهج السلوكي للإدارة بمعهد الإدارة العامة بالرياض في 3-8-1399هـ وكُلّف مفتشاً إدارياً بمكتب إشراف عرعر، ثم عاد مديراً لثانوية عرعر عام 1401هـ، وفي عام 1404هـ عمل رئيساً لقسم التفتيش الإداري إضافة لقيامة بأعمال التحقيقات للقضايا بالمنطقة، وفي 21-10-1408هـ كُلِّف بإدارة مدرسة متوسطة سعيد بن المسيب، وفي عام 1409هـ، صدر قرار تعيينه مديراً عاماً للتعليم بمنطقة الحدود الشمالية، واستمر في منصبه هذا حتى عام 1417هـ، بعدها عُيِّن مديراً لثانوية اللاجئين برفحاء، ثم أصيب بوعكة صحية طلب خلالها تحويل خدماته إلى الوحدة الصحية، ثم انتقل إلى القريات، وبقي فيها حتى أحيل إلى التقاعد في عام 1421هـ. وتوفي -رحمه الله- في يوم الاثنين 12-3-1427هـ.
حفلت حياة الأستاذ: مفرح بالكثير من العقبات التي لم يكن يتجاوزها لولا أنه كان يحمل الجد والإصرار لطموح أبى إلا أن يحققه، ولم ينس يوماً من مدَّ له يد المساعدة، فكان وفياً معهم، ويذكرهم بكل خير كلما مرّت بهم الذاكرة، ومنهم قائد الكتيبة قياض الكويكبي، والشيخ: عبدالعزيز المسند، والأستاذ: صالح الضيف مدير المعهد، وقبل كل ذلك توفيق الله، ثم دعاء الوالدين.
** **
محمد بن حلوان الشراري - محافظة القريات