رمضان جريدي العنزي
للرجال الرجال مواقف، وسمو أخلاق، وخلاصة معال، وأعمالهم المغايرة تكتب في صفحات التاريخ محفوظة لا ينساها الناس مطلقاً، فليس أنبل وأغلى من مواقف الرجل الإنسانية التي تنبع من قلب طاهر، ونفس رضية، وروح وضاءة، أنها الأعمال الخالدة، العابرة لكل الحسابات والمصالح الدنيوية التي تشد أصحابها نحو قاع الأرض، وتحرمهم من نعمة النجومية والتألق في سماء المواقف الإنسانية العالية، والمناقب السامية، أن الرجال الرجال هم من يصنعون الأعمال النادرة، ويحولون الأشياء الصعبة إلى أشياء سهلة ميسرة وبسيطة، يفكون العقد، ويحلون المشاكل، ويألفون بين القلوب، يقربون ولا يبعدون، ويركضون من أجل ذلك في فجوج الأرضي ومناحيها، يكحلون العيون، ويفرحون القلوب، ويبسطون الأرواح، ولهم في ذلك، كلام بليغ، ولغة بحية، وصور فريدة، ومعادلات حقيقية، مقاصدهم نبيلة، وفضاؤهم في ذلك بعيد وعميق ومديد، متوهجون ويبهرون الناس في مواقفهم معهم، لا يكلون ولا يملون من أعمال العون والمساندة، والبر والإحسان. إن في الحياة أناسًا نابضين بالروائع، ولهم قصص ومواقف غاية في الحسن والجمال، يؤازرون الناس، ويميلون للضعيف قبل القوي، والمسكين قبل الغني، ويسعون كثيراً من أجل اليتيم والمسكين والأرملة، ما عندهم تميز، ولا يفرقون بين هذا وذاك، والقضايا الصعبة يحيلونها إلى قضايا مرنة وبسيطة، إنهم جواهر ثمينة، ولآلئ نادرة، وأعمدة إنارة، ونجوم مشعة، يركضون مع الناس بلا هوادة، لا يرتخون في ذلك ولا يملون ولا يتعبون ولا يصيبهم اليأس والانكسار، وهكذا يستوعبون هموم الناس، حتى صاروا في قمة المجد والأصالة، تجلياتهم واضحة، وأعمالهم خالدة، وأفعالهم مشهودة. إن الأبرار تشغلهم قضايا الناس وشؤونهم، ومن أجلها لا ينامون، ولا يخلدون للراحة والوسن، ولا تستهلكم الهموم الشخصية والعائلية فقط، وبهذا يتجلى الفرق بينهم وبين سواهم، من ذوي الضعف والوهن والارتهان بالمنافع والمصالح الدنيوية المؤقتة. إن الضعفاء لا حلول لديهم، ولا مواقف ولا ثبات، ولن يخلدهم التاريخ أبداً، ولن يدخلوا قلوب الناس ويستوطنوا بها، لأن هاجسهم محدود، ونظرتهم قاصرة، وقلوبهم راجفة واجفة، تهزهم أدنى ريح، وتوقعهم أصغر حفرة، سلبيون ما عندهم عزيمة ولا همة، لا صلابة نفسية، ولا قوة ذهنية، ولا طاقة إيجابية، وشخصيتهم ذائبة. إن الرجال العطماء يستمدون عظمتهم من أعمالهم الجلية العظيمة، بينما الضعفاء يستمدونها من أعماهم الواهنة، ومواقفهم الهشة. إن المواقف الصعبة تخرج رجالاً أقوياء والرجال الأقوياء يصنعون للناس السعادة والرخاء، والرجال الضعفاء ينساهم الناس في الظروف الحالكة والصعبة لأنهم واقفون في مكانهم لا يملكون حلاً ولا حيلة. إن الفرق كبير وشاسع بين مصابيح الهدى، وكهوف الظلام، وبين شجرة التفاح، وشجرة العوسج.