د. محمد بن أحمد غروي
أحد الملامح البارزة على مستوى العالم ككل في التقدم الصناعي، تتمثل في منظومة دول جنوب شرق آسيا، التي استطاعت بفعل التخطيط الممنهج والاستباقي ليس فقط في توطين صناعتها بل الخروج إلى «الملأ الصناعي» بتفرد اقتصادي متنوع، وهو ما جعلها أكثر تماسكًا ليس فقط في مجابهة الأزمات الاقتصادية، بل أيضًا في القفز على التحديات المستقبلية.
في يوليو الماضي، وضعت وزارة الصناعة والتجارة في كوريا الجنوبية خارطة بلادها في «الاقتصاد الهيدروجيني»، عبر بناء خطة وطنية طموحة لإنتاج الهيدروجين، والتي جاءت بعد توقع الحكومة انخفاضًا ملحوظًا في سعر خلايا الوقود مع استمرار الزيادة في إمدادات الهيدروجين بحلول 2040، مع التركيز على زيادة إنتاج السيارات الهيدروجينية، وزيادة عدد محطات الوقود الهيدروجيني إلى 1200 محطة.
وليس بعيدًا عن الخطة الطموحة لتنويع الاقتصاد الإندونيسي وتوطينه، من خلال المنهج الاقتصادي الجديد الذي وضعه في 2018 رئيس البلاد جوكو ويدودو، تحت لافتة «صنع في إندونيسيا»، من أهم آثارها الإيجابية بعد أربع سنوات من إطلاقها ما ذكرته مؤخرًا صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية تحت عنوان «قصة نجاح غير متوقعة لإندونيسيا»، أهم ما ذكرته بشأنها أن معدل التضخم فيها بلغ 4.7 % هو من بين الأقل في العالم، والعملة المحلية (الروبية) من أفضل العملات أداء هذا العام في آسيا وكذا حال البورصة. ولمن لا يعلم فإن هذا البلد الآسيوي المهم هو عبارة عن أرخبيل غني بالموارد، وقد نجحت في تجاوز تبعات ارتفاع أسعار السلع، وهي أكبر مصدري العالم للنيكل وهو عنصر أساسي في صناعة السيارات الكهربائية.
الانطلاق السابق هو يؤكد اليوم الأهمية الاقتصادية والوطنية بالنسبة للمملكة العربية من خلال إطلاق سمو ولي العهد لـ «الإستراتيجية الوطنية للصناعة»، وبعيدًا عن الدخول في تفاصيلها الفنية، من المهم التأكيد على مفهوم الضرورة الاستباقية التي رأت فيها المملكة الدخول بقوة القاطرة الصناعية، فالسعودية تملك الكثير من المقومات التي تهيأها لقيادة التكتل الصناعي في المنطقة، والتنافس في جميع الصناعات الأساسية والقطاعات الفرعية الاستراتيجية، فلديها على سبيل المثال لا الحصر الموقع الإستراتيجي، والمواد الطبيعية الخام، والمواهب الشابة، والعزيز والإصرار لمستقبل «الصناعة السعودية».
أتصور أن المعادلة الأهم في فهم خارطة «الإستراتيجية الوطنية للصناعة» يتمثل في إعطاء القطاع الخاص دوره في التنمية الصناعية بصورة أكبر وأكثر فاعلية، وهو معيار النجاح الذي نجحت من خلاله الدول الآسيوية عندما أعطت دفة القيادة للشركات في مختلف المجالات الصناعية المهمة.
وبحكم قربي الشديد من منظومة الاقتصادات عمومًا لدول جنوب شرق آسيا، أتصور أن وضع الخطط الصناعية طويلة الأمد، هي السبيل الأنجح لبناء منظومة اقتصادية متنوعة، التي انعكست على «العقل الصناعي» و»العقل الجمعي» لمواطنيها وهذا أهم نجاح ستحققه بمشيئة الله الإستراتيجية الوطنية للصناعة في المملكة العربية السعودية.