عطية محمد عطية عقيلان
كانت رحلتي الأولى في هذا الشتاء 2022 إلى نفود حائل، وكانت اكتشاف لطبيعة خلابة، يمتزج فيها الرمال الذهبية المشبعة بمياه الأمطار وجبال حائل الشامخة وإطلالة خضراء آسرة، كانت مزيجاً من الجمال في سحر الطبيعة، وبرفقة مجموعة من الأصدقاء والزملاء المبهجين، وكانت أجواء شتوية جميلة، أضاف عليها خصال مضيفنا، جمالاً ودروساً مستمرة في التواضع والعطاء والكرم، تتعلّم منه حسن المعشر وسخاء مع العاملين لديه وبكل حب ومودة وتقدير لهم مهما كان شأنهم، وكيفية التعامل بعيدا عن حقه فقط أو ما تم الاتفاق عليه، بل مراعاة البعد الإنساني ووضعه المادي، وهي تذكرني بالحكاية التي تقول، بأنه جاء إلى صديقه بعصفور ليعطيه لزوجته حتى تطبخه لهم، ويأكلوا لحمه ويشربوا من مرقه، وبأن لا ينسى الجيران من أن ينالهم نصيب من المرق واللحم، ليضحك زميله ويقول هذا المثل «وش العصفور، ووش مرقته»، ليعبر المثل عن طلب شيء من الشخص فوق قدرته وطاقته، أسوة بتوقع مرقة كافية للجميع من العصفور، فالخصم على الموظف البسيط وتطبيق العقاب المادي على راتبه والتدقيق على كل شيء، هي تذكير بهذا المثل، وأعتقد جلّ ما نواجهه من صدمات وخلافات وقطيعة أحياناً، هي أننا لا نستوعب أن الأشخاص قدراتهم متفاوتة ومحدودة مهما بلغ من علم ومعرفة، ونطالب أن تكون ردات فعلهم سواء على مستوى التفكير أو النقاش، أكبر من قدرتهم وثقافتهم، بل ندخل أحياناً في نقاشات وطرح آراء تحتاج علم وإطلاع وفهم وتحليل، ونفتي بكل جسارة وكأننا العصفور المطبوخ ونظن أن به مرقاً يكفي أناساً كثراً، لأننا نعتقد أننا بفكر فريد ورأي سديد، ولكن الحقيقة هو تفكير سطحي، ولا لوم في ذلك على أحد، فالعقول والقدرة على الفهم مختلفة بين الناس وتتفاوت لعدة عوامل، ولكن لا نعامل ما نقول ونطرحه، كالمتوقع الخيالي من «مرقة العصفور»، وأعتقد أنه لو طبقنا طريقة التعامل والتقييم مع المرق المتوقع للمطبوخ ونتاجه، مع ما نقوله أو نسمعه من الآخرين، سيجعلنا أكثر راحة وتقبل وتفهم، لاسيما أن منصات التواصل والأحداث المتسارعة في العالم سواء سياسية أو اقتصادية أو فنية أو رياضية متسارعة وليس بالإمكان من أي شخص مهما بلغت مداركه، بالقدرة على فهمها وتحليلها، لذا عزيزي القارئ طبّق عند محاسبة شخص أو معاقبته على خطأ يستوجب الخصم المادي عليه، بتقدير وضعه وبأنه كالعصفور قد لا تجد فيه مرقة تستوجب التوزيع وهذا الخصم، وأيضاً تذكر ذلفي كل نقاش أو جدال أو محاورة مع الآخرين، فقد تكون أنت العصفور بثقافتك البسيطة وقدرتك على الاستيعاب، وقد يكون الآخر هو العصفور، المهم أن لا نتجاوز قدراتنا النتفاوته، فليس كلنا على درجة واحدة من العقل والمال، أسوة بما نختلف فيه الشكل واللون والحجم.
خاتمة: نفوذ حائل تجربة ممتعة لا تفوت لكل من يستطيع ذلك، فشكر خاص لأبوعريب عبدالسلام العقيل لهذه الدعوة، ولتطبيقه مع من يعملون معه وزملائه وأصدقائه، هذا المثل بحذافيره «وش العصفور، ووش مرقته» بعدم تحميلهم فوق قدرتهم المالية والجسمية، وهي إرث يتصف به جل عائلته، وهي عدوى إيجابية لنا جميعاً بأن نحتذي حذوهم في التواضع والسخاء، بعيداً عن التنظير الذي يذكرك بمقول ابن سينا «يدعون الناس إلى الجنة، وهم عاجزون عن دعوة يتيم لمائدة»، جعلنا الله وإياكم من يحسنون القول والعمل.