عبدالوهاب الفايز
بما أننا في الموسم الأعظم للرياضة، التصفيات النهائية لكأس العالم، ثمة فرصة للحديث عن التحديات والهموم الرياضية الوطنية، فنمط حياتنا المعاصرة بالذات (اللخبطة في النوم والأكل)، والتي تنشئ الأمراض المزمنة والعارضة، وقلة النشاط البدني، هذه تستدعي من مؤسساتنا التعليمية والاجتماعي والصحية تبني الخطط والمبادرات لرفع مستوى النشاط البدني، نسبة ممارسي النشاط البدني بانتظام في المملكة أقل من 20 %. من مستهدفات الرؤية رفع نسبة الأشخاص الذين يمارسون الأنشطة الرياضية بشكل منتظم في المملكة إلى 40 % بحلول عام 2030 .
مؤشرات غياب التربية البدنية نلمسه في الأنشطة والمنافسات الرياضية، حيث يتضح أثر ضعف اللياقة البدنية على الأداء الرياضي. ليس في كرة القدم، بل في أغلب الأنشطة الرياضية والبدنية. وهذا سيكون التحدي الأكبر، ليس أمام قطاع الرياضية فحسب، بل يواجهه مجتمعنا في مجالات عدة، الآن ومستقبلاً سوف ندفع ثمن إهمالنا لمهارات ضرورية لحياتنا، لسنوات طويلة لم نهتم بمواد التربية البدنية، والتربية الفنية، والتربية الوطنية.. وحتى الوزارة أصبحت وزارة التعليم بدل: التربية والتعليم.
وإهمال تنمية مهارة النشاط البدني وغياب الوعي بأهمية الاستثمار في منظومة التربية والأنشطة الرياضية ترتب عليه آثار سلبية متعدية إلى الصحة العامة للسكان. على سبيل المثال لا الحصر، منظمة الصحة العالمية تقدّر أن المملكة الأعلى في العالم بمرض السكري من النوع الثاني المرتبط بالسمنة بطرق مباشرة وغير مباشرة. تكلفة علاج السمنة بالمملكة تصل إلى نحو 19 مليار ريال سنوياً.
أيضاً ترتب عليه ضعف استفادة الاقتصادي الوطني من النشاط الرياضي، فضعف الاهتمام بالتربية الرياضية والبدنية في التعليم أخَّر تحول الرياضة إلى (صناعة احترافية) تُضيف لاقتصادنا الوطني فرص العمل والاستثمار. أيضًا أدى إلى ضعف المخرجات في المنافسات الرياضية على اختلافها.
في التعليم، الاهتمام بالتربية البدنية يساعد في أمور حيوية متفق عليها مثل: تنمية وتوجيه الهوايات الرياضية وتحفيز الأفراد عليها لاستثمار أوقات الفراغ، وتعزيز روح الثقافة الرياضية وتنميتها، وأيضًا تنمية الجوانب الترويجية والكشفية والإرشادية، والأهم: التجهيز المسبق للبطولات الرياضية عبر التدرّج في بناء مستويات اللياقة البدنية، هذا يوجد جيل متميز بالقوة والبنية، ويؤهله لبذل المجهود البدني المطلوب، فالاستثمار في التربية البدنية مسار تنموي إنتاجي لإيجاد جيل بصحة متميزة نفسياً وعقلياً، ولديه المهارة لتنمية وتحقيق الذات، والإحساس بالأمان الاجتماعي والنفسي، والنجاح في بناء الميول والتوجهات الإيجابية نحو الحركة وممارسة الهوايات الرياضية.
بناء التوجهات الإيجابية للنشاط البدني يبدأ في سنوات الطفولة الأولى، وهذه المرحلة تحظى باهتمام الدول، ففي مؤتمر اليونسكو لرعاية وتعليم الطفولة المبكرة الذي عقد في طشقند، أوزبكستان في الفترة من 14 إلى 16 نوفمبر 2022، التزمت الدول الأعضاء بـ (استثمار ما لا يقل عن 10 % من إجمالي الإنفاق على التعليم قبل الابتدائي وضمان أن تكون رواتب وظروف عمل موظفي مرحلة ما قبل المدرسة على الأقل على قدم المساواة مع رواتب وظروف عمل معلمي التعليم الابتدائي، كما أكدوا من جديد الالتزام بضمان سنة واحدة على الأقل من التعليم المجاني قبل الابتدائي، بما يتماشى مع الهدف 4 للتنمية المستدامة).
اليونسكو تهتم بهذا الأمر نظراً لتقدم الأبحاث في علوم الأعصاب والعلوم الاجتماعية، فنتائج الأبحاث، حسب اليونسكو، وجدت (أن 85 % من نمو الدماغ يحدث في السنوات الخمس الأولى من الحياة. على وجه الخصوص، تعد السنوات الثلاث الأولى من الحياة حيوية لإيقاظ إمكانات الأطفال)، في بلادنا، إذا تحقق إنفاق 10 % على التعليم المبكر من إجمالي الإنفاق الحكومي على التعليم - (بلغ هذا العام 19 % من إجمالي الإنفاق الحكومي) - فهذا سوف يُحدث نقلة نوعية كبيرة لتهيئة البيئة التعليمية والتربوية لاستيعاب متطلبات بناء المهارات، بناء المهارات الرياضية في سن مبكرة هو استثمار في تحسين الصحة العامة وخفض تكلفتها.
من الأمثلة العملية نجدها في تجربة السويد، فعندما توجهوا لرفع تعليم العادات والطرق السليمة لتنظيف الفم في المراحل الأولى للتعليم، وجدوا بعد سنوات أن ميزانية علاج الأسنان تحقق فائضاً متنامياً، وتقدم السويد في صحة الفم والأسنان يعزى لاستثمار هذا الفائض الذي تم توجيهه للدراسات والأبحاث، لدينا تشير الإحصاءات إلى إصابة أكثر من 90 % من طلاب الابتدائي بتسوس الأسنان، كم التكلفة لعلاج الآثار الصحية المترتبة على هذا الوضع لاحقًا؟
الإيجابي لتعزيز واقع التعليم نجده في مستهدفات (برنامج القدرات البشرية)، فالبرنامج قدم وصفاً شفافاً موضوعيًا لمشاكل البيئية التعليمية، ولكل ما يمس تنمية القدرات البشرية، أيضاً وزارة التعليم لديها الإدراك لأهمية التوسع والتعمق في الأنشطة الرياضية في التعليم المبكر، وتعمل على تطوير النشاط الرياضي إدراكاً منها لأهميته، وسبق أن أطلقت الوزارة مسار دوري المدارس لكرة القدم والألعاب المختلفة للبنين والبنات، وفي النسخة الثالثة من الدوري تم التوسع في الألعاب الرياضية المستهدفة، حيث تم إطلاق ألعاب كرة السلة والطائرة واليد والجودو والتايكوندو والجوجيتسو، لتنضم إلى رياضة كرة القدم لدوري المدارس 2022، وتُقام منافساتها للفرق المدرسية من مراحل التعليم العام الابتدائي والمتوسط والثانوي في 47 إدارة تعليم على مستوى المملكة (لأعمار من 12 إلى 18 سنة).
مشروع دوري المدارس لعله يكون قاطرة لتنمية الوعي بأهمية التربية البدنية، وحافزاً لتطوير المواهب الرياضية في مدارس التعليم العام. ولعله يرفد ويدعم مبادرات (الاتحاد السعودي للرياضة للجميع) الذي يعمل على توسيع قاعدة ممارسي الرياضة في المملكة بشكل منتظم أسبوعيًا. وهناك مؤشرات لتطور الاهتمام بالنشاط البدني نجده من ارتفاع نسبة مشاركة المرأة بالرياضة، حيث تعدت النسبة 170 % في السنوات الماضية.
الرياضة نشاط تنتج السعادة، وتطور الصحة والنشاط الذهني. والحكمة الرومانية القديمة، (العقل السليم في الجسم السليم) أصبحت حقيقة علميه تدعمها دراسات علم الأبدان وعلوم الدماغ!