مشعل الحارثي
عندما هاتفني أحد الأصدقاء من مكتبة الملك فهد الوطنية بالرياض ليخبرني بأنه اطلع شخصياً على متروكات أحد أصدقائه التي تملأ عشرات من الصناديق الحديدية الكبيرة غاصت بها إحدى الغرف الكبيرة التي تحولت لما يشبه مستودعاً كبيراً إلى جانب مجموعة أخرى من المقتنيات والتحف والهوايات القديمة كمجموعة كبيرة من الطوابع, ووقف حائراً متسائلاً عن ما ينتظرها ومثلها الكثير والكثير من مصير مجهول على مر السنوات وعدم الاحتفاظ بها بالطرق العلمية للحفظ، أو إهدائها للجهات المعنية بذلك وخاصة بعد رحيل أصحابها وتعرضها إما للتلف والتخلص منها برميها في صناديق النفايات، أو بيعها في سوق المسترجعات (الحراج)، والتي قد تباع بأبخس الأثمان أو تتعرض للتلف للجهل بقيمتها الحضارية الكبيرة.
ومن ضمن حديث صديقنا توقفت كثيراً والتقطت ما ذكره عن طوابع البريد فقفزت للذهن تلك الهواية القديمة التي طواها النسيان اليوم وكان يمارسها ويعشقها الكثير من جيلنا منذ الصغر وأقصد هواية (جمع الطوابع) تلك الهواية ذات القيمة الحضارية والبعد العالمي وبما فتحته حينها من آفاق كبيرة للتواصل الثقافي بين شباب العالم وتبادل وإهداء هذا الملصق الصغير في حجمه الكبير في مدلوله وما يحمله بين طياته من تذكار حي لتاريخ وأحداث العالم منذ تطور عملية نقل البريد وبدء استعمال طوابع البريد وصدور أول طابع بريدي ببريطانيا عام 1840م وتطور هذه الهواية وانتشارها بسرعة في مختلف دول العالم وصولاً لقيام الجمعيات التي تهتم بهذه الهواية كالجمعية الملكية لهواية الطوابع بلندن وما تبعها بعد ذلك من ظهور جمعيات مشابهة في دول أوروبا وأمريكا وإقامة المزادات لبيع الطوابع النادرة أو تلك التي تحمل أخطاءً طباعية أو اختلالاً في الألوان وسقوط بعض الأحرف أو عدم اكتمال الشرشرة للطابع، وقد بلغ أغلى قيمة لطابع بريدي بيع في السبعينيات الميلادية بأكثر من مليون دولار.
وفي المملكة العربية السعودية بدأ الاهتمام بهذه الهواية بشكل رسمي منذ عام 1385هـ عندما دشن صاحب السمو الملكي الأمير مشعل بن عبدالعزيز أمير منطقة مكة المكرمة آنذاك رحمه الله الجمعية السعودية لهواة جمع الطوابع بمكة المكرمة، وتسجيلها بعد ذلك بالرئاسة العامة لرعاية الشباب عام 1394هـ كأبرز اهتمامات وهوايات الشباب، واستمرت كذلك حتى نهاية عام 1425هـ حيث انتقلت تبعيتها إلى وزارة الثقافة والإعلام والتي أعلنت بدورها في عام 1432هـ حل مجلس إدارة الجمعية وتشكيل مجلس إدارة جديد إلا أنها لم تحظَ منذ تاريخه حتى الآن بذلك الاهتمام الكبير الذي يعيد لها توهجها وأهميتها كجزء من تاريخ تطور ومسيرة المملكة العربية السعودية.
ونحن نعيش عهد الرؤية الطموحة 2030 كم نتمنى وكافة عشاق هذه الهواية أن تعاد لها روحها من جديد وأن تقام لها المتاحف المتخصصة والعديد من المعارض الثابتة والمتنقلة في المناسبات الوطنية كاليوم الوطني ويوم التأسيس ويوم البريد العالمي خاصة وهي تمثل سجلاً توثيقياً كاملاً لكافة الأحداث والمناسبات والإنجازات الباهرة والقفزات التنموية التي مرت بها المملكة في شتى المجالات سواء في المجال السياسي أو الاقتصادي أو مجال خدمة الإسلام والعناية بالحرمين الشريفين وأعمال الحج، والمجالات التعليمية والاجتماعية والصحية والزراعية ومجال الشباب والرياضة وكذلك الأحداث العالمية وغيرها.
وعلى ذكر هذه الهواية فقد كان صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة وهو في ريعان شبابه ومراحل دراسته أحد أولئك العاشقين والمهتمين بهذه الهواية وكان يتواصل معه العشرات بل المئات من شباب العالم من خارج المملكة، مما يؤكد على ما يتحلى به سموه من همة عالية وخلق رفيع إلى جانب ثراء وعمق ما يتمتع به حفظه الله ومتعه بالصحة والعافية من مواهب متعددة انعكست على عطاء سموه الخصب والمتميز في كافة المجالات من الأدب والشعر إلى الفكر والرسم والرياضة، ومن براعة الحكم والإدارة إلى الريادة وحسن الإنجاز.