نوف بنت عبدالله الحسين
تعودنا كثيراً أن نتعلق بالأماكن، والأشخاص، والأعمال، ونكوّن صورة جميلة ومقدسة وبراقة عن كل ما هو حولنا، ثم ننصدم بنمط مختلف عن مسارنا أو توقعاتنا، فنتوقع من الصديق أن يكون دوماً وفياً وحاضراً، ونتوقّع من المدير يكون دوماً في صفنا، ونتوقّع من أن الأماكن تحمل دائماً ميزة عاطفية، فأصبحنا دوماً نرفع سقف توقعاتنا في كل شيء حولنا.
في الحقيقة لابد من توقّع الأسوأ دوماً، حتى لا نقع في مغبة المفاجآت الثقيلة، فلا نظن أن الآخرين دائماً يجيدون اتخاذ القرارات الجيّدة تجاهنا، بل لابد من عمليّة فصل ما بين المتوقع والواقع، فالواقع دائماً يعطي مؤشرات واضحة ونحن نتغاضى عنها لأنها قد تكون مؤلمة، لكن الحقيقة هي أن هذه هي سنة كونية في الحياة لإحداث التوازن، فما عليك سوى أن تكون منطقيًّا في توقعاتك، وتحاول تغيير الواقع بإمكاناتك وملكاتك.
أقصد بهذا، أن الحلقة الآمنة التي نحيط أنفسنا بها، ليست سوى خدعة نخدع بها أفكارنا ومعتقداتنا، فنصاب بخيبات الأمل دائماً، ومن المفترض أن نتواضع في التوقعات ونعمل على التغيير المنطقي ونتصالح مع الموجود.
إن الصدمة العاطفية التي تصيبنا من رومانسية الأحلام، قد تكون إما محبطة أو محفزة، وفي كلا الحالتين وجب علينا اتخاذ القرار في التصالح أولاً مع واقعنا، ثم نحاول فهم الواقع وما هي الفرص المتاحة لتغييره نحو الأفضل، وفي الحقيقة، الأمر يعود إليك وحدك، بمعنى كيف تتعامل بواقعية، دون أن ترتطم بحائط الإحباط أو خيبة الأمل، بل عليك أن تفهم أن هذا كله يحدث داخلك، فلست محور الكون، وأن تفسيراتك تخصك وحدك، وربما كان تفسيرك من منظور ضيق أو زاوية بعيدة عن الواقع، لذلك اقرأ واقعك جيّداً، وروّض نفسك على أن تكون هناك لحظات قاسية، وتعامل معها بحكمة، ووظّف أفكارك بما يساعد في إيجاد الحلول والابتعاد عن مسببات المشاكل أو المعتقدات التي وضعت نفسك فيها.
تعلّم فن التجاوز، واتقن فن المسافة والابتعاد قليلاً، لا تعطِ ردة فعل مباشرة، انتظر إلى أن تهدأ، فالطوفان إذا شمّر عن أنيابه هدم كل شيء، وطمس معالم الجمال، وبعد أن تهدأ، تأمل جيداً في الأحداث والأشخاص، واجعل لك عين فاحصة في المجريات واعرف أكثر عن المسببات، حينها ستقدّر كثيراً معنى الانفصال المؤقت، حتى يكون لديك خط رجعة، بصورة أكثر شموليّة ووضوح، وبموقف يستحق الاحترام والتقدير.