إيمان حمود الشمري
أكتب هذا المقال في يوم الأحد الموافق 27 نوفمبر ليكون آخرمقال يكتب بالصين، وحتى تاريخ النشر لا أعرف مدى التطورات التي يكمن أن تحدث، إذ أن القرارات أحياناً تأتي بشكل مفاجىء مما يجعل من الصعب التنبؤ بالآتي.
مايقارب الأربعة أشهر قضيتها بالصين، ابتدأت بحجر وانتهت بالإقفالات وشبه حظر، ولأن الانطباع الأول والأخير في الغالب انطباع مؤثر وراسخ، إلا أنه ظالم..لأنني لايمكن أن أتجاهل ماحدث بين الحجرين.
كانت رحلة العمر، من بلد كنت أحمل عنها انطباعاً بالبساطة والمباني العشوائية لبلد فاجأتني بالنهضة العمرانية وتصاميم المباني المبهرة، بلد يهتم بالتفاصيل ويدرس حتى الزراعة والتشجير مما جعل الصين كلوحة فنية بتناسق ألوان الطبيعة مع الأبنية، وقد تعتقدون أنني أبالغ لو قلت إن حتى ألوان الأشجار المتساقطة على الأرض والتي شاهدناها في فترة الخريف، تخضع لدراسة كي يبدو منظر تساقط الأوراق على الأرض منظراً جمالياً وكأنه مشهد مقتبس من فيلم رومانسي.
دقة ومثابرة وطموح لافت، شعب يسعى للتميز بهدوء دون إثارة الضجة لأن تركيزه على العمل أكثر من تركيزه على الإعلان عن نفسه وإثارة البلبلة، لذا كان أحد أهم أسباب دعوتنا إلى الصين من مختلف الدول رؤيتها والكتابة عنها.
زرنا مدناً، متاحف: (ألعاب - نباتات- وسياسية)، مصانع، شركات، رأينا ثورة التكنولوجيا التي لدى الصين، من صناعة سيارات إلى أجهزة ترجمة بجميع اللغات، إلى هواتف نقالة، وطوال فترة إقامتي بالصين استخدمت أجهزة كهربائية صينية الصنع بجودة عالية.
أخذنا محاضرات باللغة العربية الفصحى لتقربنا أكثر من الثقافة الصينية، من أعراقهم وأهم السلالات الحاكمة لديهم، وتعرفنا على عاداتهم وتقاليدهم وصناعاتهم اليدوية وآلات العزف المستخدمة، إلى ثقافة صناعة الشاي وطريقة تقديمه.
كانت أياماً جميلة وسريعة وثرية بالمعلومات والعلاقات والذكريات الجميلة، وتزامناً مع رحلة عودتي إلى الرياض، بآخر أسبوع لي في الصين، بدأت إجراءات الإغلاقات تتخذ موقفاً أكثر جدية وصرامة، وكأنها ترفض أن نعود، ولكن من الظلم أن أنسى كل الأيام المميزة التي قضيتها وأركز على آخر أسبوع، فما يحسب للصينيين حقاً، هوأنه على الرغم من إجراءات كورونا المعقدة إلا أنه لايمكن أن ننكر أننا قضينا فيها أجمل الأيام.
ولأن لكل بداية نهاية، فبعد غروب الشمس في الوقت الراهن تطفىء بكين قنديلها وتتحول من مدينة كانت تشع بالحياة وتكتظ شوارعها بالمشاة والدراجات، إلى شوارع مهجورة، ولكن حتماً لن تكون هذه النهاية الدائمة لها لأنها ستعود، فالنهايات الحزينة لاتليق ببلد مكافح مثل الصين.
هذه البلد التي جذبتني بكل تفاصيلها انطبعت بذاكرتي، ولو عاد مسار الحياة في الصين بشكل طبيعي حتماً سأعود لزيارتها مرة أخرى لأنها تستحق الزيارة.
أحببتها وأعترف أنني أحب الصينيين ولست منهم.