الأمير أحمد بن عبد الله بن إبراهيم بن ثنيان آل سعود رجل من رجالات المؤسس في الزمن السالف تنبأ له الملك عبد العزيز -طيب الله ثراه- بدور فاعل في تجديد ملامح السياسة السعودية الخارجية فأبدى كفاءة في إدارة مهامها الخارجية، وصفه الواصفون بقولهم: كان شاباً في الثلاثينيات من عمره، أبيض اللون، طويل الشعر، مجدل أصيب في إحدى معارك الملك عبد العزيز فأثر في مشيته فكان يعرج بشموخ وعزة، وأما زيُّهُ فكان واحداً لا يغيره أبداً وهو الهندام العربي وكان يتزيى به في العواصم الأوروبية، وتكمن أهميته كونه من أعضاء الأسرة الحاكمة، الذين نهلوا من معين التعليم الحديث وأجادوا لغات أجنبية استطاعوا بها الخوض في دهاليز السياسة السعودية، كان -رحمه الله- مصقولاً لبيباً يتحدث اللغات الآتية:
التركية والألمانية والفرنسية والإنجليزية إلى جانب اللغة العربية. هاجرت أسرته إلى تركيا في حدود عام 1843م، ومن أم شركسية، ولد ونشأ في اسطنبول وخاض غمار المعرفة والعلم والتعليم فيها، وتحكي لنا كتب التراجم التي تنافست في الحديث عنه، أنه في أثناء الحرب العالمية الأولى عاد إلى مسقط رأسه نجد العامرة، حيث سمع بانتصارات الملك عبد العزيز فيمم وجهته إليه، وهو من عناهم الشاعر الأول بقوله:
وما حب الديار شغفن قبلي
ولكن حب من سكن الديار
وحينما جاء وقت تأسيس الشعبة السياسية في الديوان الملكي، كانت هناك حاجة ماسة لإدارة تساعد في التعامل مع الوثائق والاتفاقيات، فتم إنشاء وحدة مصغرة لترافق المؤسس في سفرياته، فأنشئت وحدة لرصد ما ينشر بالصحف ومتابعة التقارير الإعلامية آنذاك.
خاص غمار أحداث سياسية تطاول شأنه فيها، ومن أبرزها معاهدة (دارين عام 1915م/ 1344هـ، وكان بدء مفاوضات هذه المعاهدة منتصف سنة 1915م، واستمرت سبعة أشهر، ووقعها من الجانب السعودي الملك عبدالعزيز ومن الجانب البريطاني السيد بيرسي كوكس، ونصت المعاهدة على اعتراف الحكومة بأن كلاً من الأحساء والقطيف والجبيل تابعة للحكومة السعودية، ثم تم إلغاء المعاهدة بعد معاهدة جدة عام 1927م، وتحدثنا كتب التاريخ التي تطرقت إلى هذه المفاوضة أنه تم اعتراف بريطانيا باستقلال مملكة الحجاز ونجد ومن خلال هذه المفاوضة برز دور الأمير أحمد بن عبدالله الثنيان - عليه رحمة الله فكان مستشار الملك عبد العزيز - طيب الله أثره وثراه - وهو الذي أدار المفاوضات تحت إشراف المؤسس وتوجيهه.
ثم كانت رحلة أول وفد نجدي رسمي إلى أوروبا عام 1919م/ 1373هـ، وتشكل الوفد كما جاء في الوثائق البريطانية من ابن السلطان الأمير فيصل بن عبدالعزيز ومعتمد السلطان الأمير أحمد الثنيان آل سعود، ووكيل أمور السلطان الشيخ عبدالله القصيبي إضافة إلى ثلاثة من المرافقين، وانطلق الوفد السعودي في رحلة استمرت ستة أشهر استقبل فيها الملك جورج الخامس وعقيلته الوفد صباح يوم 30 أکتوبر عام 1919م وذلك في قاعة العرش بقصر باكنغهام، وكانت عودة الوفد إلى ثرى الوطن فبراير من عام 1920م وتعد هذه الرحلة أول رحلة سعودية قام بها الملك فيصل وعمره لم يتجاوز الأربعة عشر عاماً، وذلك لتهنئة ملك بريطانيا من جهة، وبحث بعض الأمور السياسية الخاصة بالجزيرة العربية، ومن الأحداث السياسية التي عاصرها بعثته إلى الحجاز عام 1920م / 1338هـ حيث رشح المؤسس معتمده الخاص الأمير أحمد الثنيان لينوب عنه في المفاوضات وفق تعليمات وصلاحيات محددة، وحمله رسالة ودية للشريف حسين حيث وصلت البعثة مكة المكرمة بعد خمسة عشر يوماً قضوها في قطع الطريق، وكان الأمير أحمد يكاتب المؤسس بتفاصيل المفاوضات وملابساتها، ثم كلف من قبل المؤسس مع الدكتور عبد الله الدملوجي بمهمة سياسية إلى بغداد، حيث أجرى مقابلة مع المندوب السامي البريطاني وحل النزاع بينه وبين الشريف حسين ووصل الوفد البحرين عام 1921م ثم غادر إلى البصرة وأخذت المفاوضات مع المندوب السامي وقتاً طويلاً، وتذكر الوثائق البريطانية أن الأمير أحمد -رحمه الله- وصل الكويت قادماً من البصرة ثم غادرها إلى الرياض بتاريخ 27 مايو من عام 1921م وحينما كان متواجداً في الكويت، طلب من الوكيل السياسي إرسال ثلاث رسائل سلمت إلى المندوب السامي في بغداد.
وفي عام 1340هـ - 1922م كانت معاهدة المحمرة، لحل مشكلات الحدود بين العراق ونجد ومثّل حكومة نجد الأمير أحمد الثنيان، ومثّل حكومة العراق وزير المواصلات، ومثّل حكومة بريطانيا المجر برنارد ليون، على ألا يعمل بهذه المعاهدة إلا بعد التصديق من جانب الأطراف الثلاثة، وحين علم المؤسس ببنود معاهدة المحمرة التي وقع عليها الأمير أحمد الثنيان، وهي مخالفة للخطة التي وجه إليها، أبرق له برقية يأمره بالرجوع إلى الرياض، ثم خاطب السلطات البريطانية وشرح لهم أن الشروط الأولية للصلح التي عقدها المندوب مخالفة لتعليماته التي زوده بها، لذا فهو يأسف لرفضه الشديد للشروط التي لا يمكن قبولها وبعد مؤتمر المحمرة بإيران اعتزل العمل السياسي بعد أن أظهر قدرة فائقة في المهمات التي أنيطت به، وكلف بها، ثم إنه أقام بالأحساء وكانت وفاته ودفن جثمانه في الرياض سنة 1341هـ-1923م.
وللدكتور عبدالرحمن الشبيلي -رحمه الله- مقال ضافٍ في الحديث عنه، وفيه إشارة إلى كل من كتب عنه وهي تراجم موجزة مختصرة، حيث كان من هؤلاء المفكرين خير الدين الزركلي، وأمين الريحاني، وجيرالد دوغوري، ود. عبدالله العثيمين، والمؤرخ عبدالرحمن الرويشد، ومما جاء فيه (كما أورد الباحث العراقي المعروف نجدة فتحي صفوة نبذة مختصرة عن سيرته في المجلد الرابع من سلسلة الجزيرة العربية في الوثائق البريطانية دار الساقي 1999م لندن) ومن فرائد الدكتور عبدالرحمن الشبيلي وفوائده إشارته إلى خطأ وقع فيه كثير من المؤرخين وهو اعتقادهم أن الأمير أحمد الثنيان هو والد الأميرة عفت الثنيان حرم الملك فيصل -رحمه الله- والصحيح أنه عمها المباشر.
وبعد.. فهذا العلم دليل من الأدلة التي تنبئ وتدل على عبقرية الملك عبدالعزيز -حينما رشحه لجانب من جوانب هذه الدولة الفتية وهو السياسة الخارجية وفيها بز الخلان وفاق الأقران.
** **
- حنان بنت عبدالعزيز آل سيف -بنت الأعشى-
hanan.alsaif@hotmail.com