د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
يعد قطاع البتروكيماويات قطاعاً قيادياً ومؤثراً في حركة سوق الأسهم، فتوقفت الأرباح القوية التي كانت تحققها شركات البتروكيماويات المدرجة في سوق الأسهم على مدار العام والنصف الماضيين على خلفية تراجع الطلب العالمي نتيجة تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي مع ارتفاع التكاليف.
فانخفاض أرباحه وبشكل خاص شركة سابك أكبر شركة بتروكيماويات التي أعلنت عن انخفاض أرباحها 67 في المائة عن الربع المماثل من العام الماضي 2021، وسبق أن تعرضت البتروكيماويات في الأزمة الاقتصادية في 2009 عندما انخفضت أرباحها 76 في المائة، وكذلك تعرضت في الربع الرابع من 2019 تراجعاً في أرباح سابك بنحو 74 في المائة نتيجة زيادة المعروض العالمي وانخفاض أسعار بيع المنتجات التي عانت منذ منتصف 2014، كما حدث التراجع على البتروكيماويات في زمن الجائحة 2020 بنسب تتراوح بين 20 -30 في المائة لعدد كبير من السلع البتروكيماويات السلعية الذي تسبب في تراجع حاد في إيرادات مبيعات الصناعة، بسبب ارتفاع تكلفة شحن الحاويات بنحو 400 إلى 500 في المائة، إذ ارتفع شحن الحاوية من 2000 إلى ما يراوح بين 10 و12 ألف دولار بسبب الشح في عدد الحاويات مقارنة مع حجم الطلب.
بجانب ضريبة الكربون وغيرها من ضرائب التي تفرضها الدول الأوروبية على صناعة النفط والغاز ومنتجاتها الهدف منها حماية الصناعة الأوروبية، ولا مانع من الإضرار بتنافسية صادرات قطاع البتروكيماويات الأجنبية، ومنها الخليجية، وهذا هو السبب الذي يمنع الدول الأوروبية من توقيع تجارة حرة مع دول الخليج، وهو ما يفترض على دول المجلس توقيع تجارة حرة مع أوروبا والصين والهند وهي الأسواق الرئيسية لمنتجات دول المجلس من البتروكيماويات.
حيث شهد سوق البتروكيماويات نمواً كبيراً على مدار العقود الماضية، بسبب الطلب المتزايد من مجموعة صناعات الاستخدام النهائي، بما في ذلك صناعة السيارات والتعبئة والتغليف والبناء والتشييد، ومع ذلك الأحداث الحالية فقد لعبت المخاوف البيئية المتزايدة التي تدور حول إنتاج البتروكيماويات دوراً رئيسياً في تحويل العديد من عمليات التصنيع والعمليات الأخرى التي تساهم في تغير المناخ، وعلى جانب مواد اللقيم فشهد البروبان والبيوتان والنافثا تقلباً مشابهاً وفقاً لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية في 2021 بسبب أن المعروض من النفط والسوائل الأخرى في الزيادة في كل مجموعة أوبك وخارجها لتلبية الطلب العالمي المتزايد حتى عام 2050.
ومنذ الستينيات من القرن الماضي، بدأت السعودية تفكر في استغلال الغاز المصاحب الذي كان يحرق كلقيم لصناعة البتروكيماويات خاصة الأسمدة الأمونيا واليوريا كبداية في تلك الصناعة الأساسية، وبعدما توسعت الدولة في تلك الصناعات، وأصبحت ركيزة أساسية للصناعات التحويلية، وتتيح فرصاً كثيرة للقطاع الخاص للاستثمار في سلاسل الإمداد والقيمة المضافة، ويمكن أن تصبح السعودية مركزاً حيوياً ومنصة للخدمات اللوجستية، فبدأت الدولة تبحث عن الغاز غير التقليدي وكجزء من خطة أرامكو السعودية الاستثمارية البدء في إنشاء معمل غاز الجافورة لإنتاج 3 مليارات قدم مكعبة من الغاز غير التقليدي، ولم تكتف بذلك أرامكو بل لجأت إلى شراء 5 ملايين طن من الغاز المسال سنوياً لمدة 20 عاماً بتوقيع صفقة مع الولايات المتحدة مع شركة سيمبرا وتمتلك الشركة نسبة 25 في المائة.
نجحت السعودية خلال العقود الماضية في بناء صناعة للبتروكيماويات الأساسية والوسيطة ذات تنافسية عالمية، وأضحت السعودية أحد مراكز الثقل الرئيسية لصناعة البتروكيماويات عالمياً وإقليمياً، فهي تشكل ما يقرب من 74.8 في المائة من إنتاج دول الخليج من البتروكيماويات، ونحو 7 في المائة من إجمالي الإنتاج العالمي، وتشكل 24 في المائة من الإنتاج العالمي لجلايكول الأثلين، وما بين 11 إلى 16 في المائة من البولي إثلين بأنواعه، ويتم تصدير نحو أكثر من 80 في المائة من إجمالي إنتاج السعودية للخارج، حيث تستحوذ على 76 في المائة من إجمالي تجارة جلايكلو الأثلين، ونحو 50 في المائة للبولي بروبلين، و33 في المائة للميثانول بطاقة إجمالية 112 مليون طن، وهي الأعلى خليجياً في توطين الوظائف بنحو 64.6 في المائة، ونسبة توطين 80 في المائة في قطاعي التصنيع والكيماويات في 2020.
لذلك نحتاج إلى التسريع في تحقيق التوسع في الصناعة مع التركيز في الموجة الجديدة من التوسعات المعتمدة على التكامل بين البتروكيماويات مع مصافي التكرير، من أجل تعزيز القيمة المضافة للصناعة، وتنويع قاعدة المنتجات وإنتاج منتجات وسيطة جديدة تنتج لأول مرة في السعودية، مما يحفز صناعات تحويلية جديدة في الفترة المقبلة، وحجم الاستثمارات الرأسمالية للمشاريع التي يجري تنفيذها ما بين 2020 - 2025 نحو 71 مليار دولار منها 20 مليار دولار داخل السعودية.
تمتلك سابك إمكانيات هائلة للتحول إلى الصناعات الوسيطة والنهائية، حيث تمتلك منظومة متكاملة من مراكز التقنية والابتكار تتوزع على خمس مناطق جغرافية في الولايات المتحدة، أوروبا، الشرق الأوسط، جنوب آسيا، شمال آسيا، تبتكر سابك العالمية أكثر من 95 منتجاً جديداً سنوياً، حيث تملك الشركة أكثر من نحو 10 آلاف براءة اختراع دولية ومثلها طلب تسجيل براءة اختراع.