إيمان الدبيّان
هو الحياة، هو انبلاج السعادة، به تتغير النفسيات، وتُسطّر معه أعذب الكلمات، وتُنظَمُ أجمل الأبيات، إنه المطر الذي ننتظره ونرقبه، نشتاق له ونحذر منه، نُعوِّل عليه بعد الله أملاً، يُكتَسَبُ من خيراته مستقبلاً، ويستحدث بسببه عملاً، نعم إنه المطر خصوصاً لنا نحن في نَجدٍ تحديداً ونحن ننتظر (الوسم) زمناً لنحيا به ربيعاً، فنتحرى أوقاته التي نعرفها؛ لنرى صوراً، الله يبدعها في إبله وزهره، وكل مناكب أرضه.
أرِقتُ وأصحابي قعودَ بربوة
لبرق تلألأ في تهامة لامع
(النابغة الذبياني)
ومع هذا إلا أن المطر قد لا يخلو من أذى كما قال تعالى: {..إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ..} (102) سورة النساء.
فقد شهد كثيرٌ من مدن المملكة أمطارًا متوسطة وغزيرة ومنها مدينة جدة يوم الخميس الماضي تلك الأمطار التي استمرت ست ساعات بكميات مختلفة باختلاف جهات المدينة ما بين 49 إلى 170 مل تقريبًا، مما نتج عنه أذى شاهدناه في المحطات الإخبارية وعاش الناس معاناته في عروس المنطقة الغربية، فتحولت بعض الشوارع إلى بحيرات ومستنقعات مائية بجوار مشاريع تصريف السيول القوية، ورأينا سيارات مجروفة أصبحت مركبات برمائية، وصف المشهد لذلك اليوم يطول مما يستدعي كثيرًا من الحلول.
نعم كميات الأمطار كبيرة، ذكرتنا بحادثة سابقة شبيهة لها شهيرة، نعم لو كانت هذه الأمطار في أي دولة أخرى لحدث فيها مصائب كبرى!! نعم هناك أناس لا يلتزمون بالتحذيرات رغم منحهم الإجازات ومع ذلك يجوبون مع السيول كل الشوارع والطرقات؛ ولكن أعتقد لم يصرف على مدينة 3.5 مليارات ريال ونصف لمشاريع السيول كما صرف وخصص لمدينة جدة، كثير من الأسئلة تثار وعلامات تعجب تشاهد وتسمع بانبهار: ما مدى نجاح هذه المشاريع التي أعلنت أمانة مدينة جدة الانتهاء منها؟ هذا المبلغ الضخم الذي سخره ولاة أمرنا لعروس مدائننا لماذا لم يكن مُخرَجُه مثمرًا ومفيدًا مما يجعل ملامح وجه العروس جميلاً؟
جدة التي تستقبل وتشهد أكبر التطورات وأجمل المواسم والمهرجانات، كيف ستعالج أمانة مدينتها تصريف السيول في مشاريعها وأحيائها السابقة لتواكب التطوير والتغيير؟
لماذا لا يكون هناك تقييم للمشاريع المنتهية، وكذلك المخططات السكنية بمداخلها ومخارجها وإيجابياتها وسلبياتها من نقص في البنى التحتية، فتطور الإيجابيات وتعالج السلبيات، وتثمر مخرجات جودة الحياة المعنية، ويحاسب مدراء المشاريع وأصحاب المخططات إن كان هناك خللاً وكان السبب إهمالاً؟
الحوادث الطبيعية مهما استعد الإنسان لها تبقى لها آثارها السلبية التي تفوق أحياناً قدرة البشرية مما يجعل الإنسان العادي والمسؤول والمفكر والكاتب يبحث عن حلول لا يستغني فيها عن أساتذة إدارة المخاطر وإدارة المعرفة، فيكون التعاون ناجعاً بينهم وبين مركز إدارة الأزمات والكوارث في إمارة منطقة مكة المكرمة تلك الجهة التي نجحت وبجدارة في إدارة الموقف منذ إصدار التحذير من هيئة الأرصاد وحماية البيئة إلى عودة الحياة بشكلها الطبيعي واليومي خلال ساعات.
بلهجة جدة الرقيقة (تهناكم الرحمة) وبذائقة العروس الأنيقة (لنستمتع بالأمطار بحذر لتعم به الفرحة).