محمد سليمان العنقري
على وقع إقامة بطولة كأس العالم لمنتخبات كرة القدم التي تعد أهم البطولات الرياضية على الإطلاق وينتظرها العالم كل أربعة أعوام وتستعد لها الدول بوقت مبكر، وعندما تتأهل أي دولة لتشارك بالبطولة التي تضم 32 منتخباً فإنها تبذل جهوداً كبيرة لإعداد منتخباتها مادياً ومعنوياً، فالمنتخب بات جزءاً لا يتجزأ من ركائز سيادة أي دولة، وله معاملة خاصة عندما يذهب للمشاركة بأي بطولة أو يزور أي دولة لإقامة معسكر فيها أو لعب مباريات ودية خارجياً. وفي النسخة الحالية لبطولة كأس العالم المقامة في قطر رافقها الكثير من الحديث حول التكاليف التي تنفقها الدول المستضيفة للبطولة وكيف تلعب دوراً بدعم نموها الاقتصادي قبل وأثناء البطولة وكذلك بعدها، بالإضافة لتكاليف إعداد الدول لمنتخباتها والتي قد يعتقد البعض أنها مرتبطة فقط بمعسكرات المنتخب أو تجهيزاته، بل إن ما ينفق في البنية التحتية للملاعب بالدول وكذلك كل المنشآت الداعمة لنشاط كرة القدم بالإضافة للبطولات المحلية وهي الأعلى تكلفة بهدف الارتقاء بالنشاط الرياضي ونشر اللعبة والوصول لاكتشاف المواهب التي تمثل المنتخب أي أن كل جهود الدول بفعالياتها المحلية، بنهاية المطاف تقاس في أحد أهم مؤشرات أثرها بمدى قوة أداء منتخبها وإستراتيجيتها في التوسع بالنشاط الرياضي عموماً وكرة القدم خصوصاً لأنها اللعبة الأكثر شعبية بالعالم.
فصناعة كرة القدم تجاوز حجمها عالمياً حاجز 500 مليار دولار سنوياً، ولاعبو كرة القدم وصل بعضهم بثروتها لتجاوز حاجز المليار دولار، أي أنها لم تعد لعبة شعبية من حيث محدودية الدخل لمحترفيها، فشعبيتها اقتصرت على كونها تحظى باهتمام الشعوب بالعالم بمختلف شرائحهم ومستويات دخلهم، لكن في الحقيقة أصبحت مصدرًا كبيرًا للمحترفين وتكاليفها عالية على الأندية والمنتخبات، فمن بين كل المنشآت الرياضية يعد إنشاء ملعب كرة قدم الأعلى تكلفة في بنائه وتشغيله، ومع ارتفاع ميزانيات الأندية أصبحت مشاهدة المباريات ليست مجانية كما في السابق لأنها تحولت لمؤسسات تجارية تهدف للربح ويدعم الأندية ونشاط كرة القدم شركات صناعية لمنتجات تخدم اللعبة من ملابس وتجهيزات أخرى كالأجهزة الرياضية للتدريب وغيرها وتتأثر بصناعة كرة القدم الكثير من الأنشطة سواء الإعلام أو النشاط السياحي والترفيهي، فنادي برشلونة على سبيل المثال يسهم بحوالي 12 مليار يورو سنوياً بالنشاط الاقتصادي للمدينة مع توفير آلاف الوظائف المباشرة وغير المباشرة بالمدينة نتيجة لشهرة النادي عالمياً، وأصبحت أسهم الأندية مدرجة بأسواق المال وتستقطب مستثمرين وتتأثر حركة أسعارها بإنجازاتها وقيمة أصولها التي تتنوع لتحقيق مزيد من الدخل للنادي لتغطية تكاليف نشاطه.
لكن أثر كرة القدم والتظاهرة العالمية التي تتوج مجهودات الدول في نشاطها الرياضي والمتمثل ببطولة كأس العالم تكتسب طابعاً مختلفاً عن كونها بطولة رياضية، إذ أصبحت الدول المضيفة تستفيد كثيراً للمستقبل من خلال تعريف العالم بها وبقدراتها، وتعد استضافة البطولة قوة ناعمة توصل رسالة للعالم حول الدولة التي تستضيف اليطولة لينعكس على قطاعات عديدة فيها بخلاف التعريف بثقافتها وعاداتهم وبما تتميز به الدولة في نشاطها الاقتصادي، لكن أيضاً تحول الحدث الأهم بالعالم إلى ما يشبه الفرصة لبعض الدول وجماعات سياسية فيها لإيصال أفكارهم ومعتقداتهم في قضايا كثيرة بل إن محاولة إقحام السياسة بالرياضة أصبح سمة لدى دول تدعي عكس ذلك. ففي البطولة الحالية سقطت ورقة التوت عن الدول الغربية ومحتمعاتها عندما بدأوا بالتجييش ضد إقامة البطولة بقطر، فهم يرون أنفسهم أحق بها، وكأن شعوب الأرض الأخرى لا يحق لهم ما يحق للغرب، وكالعادة اقحموا الملف الذي أصبح أسطوانة مشروخة المتمثل بحقوق الإنسان، لكن هذه المرة ركزوا كثيراً على دعم المثليين بشكل لافت واعتبروا أن السماح لهم بحمل شعاراتهم أساسًا لتقييم مدى احترام أي دولة لحقوق الإنسان، فهذه الظاهرة الغريبة لدعم المثليين لا يجد أحد لها تفسير مقنع، فهي مخالفة للأديان والشرائع وتنافي الطبيعة البشرية، ومع ذلك تجد حرصاً كبيراً من منتخبات أوروبية وغربية عموماً لمحاولة دعم الشذوذ بالإضافة لتصريحات مسؤولي تلك الدول، بل إن مسؤولة بالحكومة الألمانية خالفت الأنظمة المتبعة والتعليمات في بطولة كأس العالم بقطر ووضعت شارة المثليين رغم أنها ترأس جهازاً ببلدها مكلف بتطبيق النظام، أي إنها تتناقض مع نفسها، فمن لا يحترم القانون بأي دولة يزورها يكون منافقاً عندما يدعي أنه قيم على تطبيقه ببلده، كما يظهر من تصرفها العنصري والمتعالي على بقية العالم، فهي لم تحترم الدولة التي تزورها وترى بتمردها على الأنظمة بدولة أخرى حق لها، ويبدو أن عقليتهم الاستعمارية تسوقهم لمثل هذه الأفعال، فلسان حال الشعوب يقول دعوا كرة القدم وشؤونها على ما نشأنا عليه من حبها والتعلق بها ولا تعبثوا بها لحساب أفكاركم الخطرة على العالم أحمع.
لم تعد كرة القدم مجرد رياضة يعشقها أغلب شعوب الأرض بل تحولت إلى صناعة اقتصادية تدر مئات المليارات سنويًا وتوظف الملايين ودخلت في بعض الأحيان أروقة السياسة واستغلال مناسبات كبيرة مثل كأس العالم لتمرير بعض أفكار دول تريد فرض قيمها ومبادئها الساقطة على العالم، فإذا كان الغرب حريصًا على دعم الشذوذ ولا يبالي بعواقبه ويعتبره من الحريات والحقوق للبشر فإن ما يعتقدونه يخصهم وليس من حقهم فرضه على العالم، بل إن تناقضهم يظهر بدولهم فكثيراً ما تم استدعاء لاعبي كرة قدم بأندية أوروبية للتحقيق والمساءلة عندما رفضوا دعم المثليين، فعن أي حرية رأي وتعبير يتحدثون، فأجندتهم السياسية باتت طاغية على كل تحركاتهم وشعورهم بأن زمن هيمنتهم على العالم انتهى أصبح يؤرقهم ولم يجدوا سبيلاً إلا بفرض أفكارهم واستغلالها للضغط على الدول ومحاولة ابتزازها سياسياً، ولذلك فكرة القدم أصبحت في خطر بأن تنزلق لمربع السياسة والمسؤولية تقع على عاتق الفيفا لمنع ذلك لا أن تخضع هي أيضًا لابتزاز الغرب وتبدأ بفرض أجندتهم على بقية العالم وتصبح هي جسر عبور لاختراق المجتمعات من خلال تمرير الأفكار الهدامة للقيم والمبادئ الإنسانية عبر اللعبة الشعبية الأكثر قرباً من كل فرد بالعالم خصوصاً الأطفال والشباب، وهو ما يحاولون التركيز عليه لتمرير أفكارهم تدريجياً على أن ذلك الشذوذ حالة إنسانية طبيعية. فلابد من وقفة دولية صارمة ومنع العبث بالبشرية وأخذها لمربع الشذوذ وعواقبه الوخيمة.