د.شريف بن محمد الأتربي
تعمل الدول على توفير برامج تعليمية مميزة لطلابها خاصة في مرحلة التعليم المبكر أو ما يطلق عليها مرحلة التأسيس، وهي تلك المرحلة التي يكتسب من خلالها الطالب المهارات الأساسية وبعض المعارف التي تساعده على استكمال مسيرته التعليمية المستقبلية.
وخلال هذا السعي من الدول ظهرت تجربة جديدة أطلق عليها جامعة الطفل، والتي تعمل بالشراكة مع المدارس؛ لتنمية حب التعلم لدى الأطفال من خلال التشجيع والاحتفال بالمشاركة في الأنشطة اللاصفية داخل المدرسة وخارجها.
وجامعة الأطفال هي مشروع تعليمي ينتشر على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم، وغرضها حث الأطفال على التفكير العلمي، والتفكير النقدي، والإبداع، وحل المشكلات، ورغم انتشار مثل هذا النوع من التعليم، إلا أن البعض اعتبرها وللوهلة الأولى جانبًا من الخيال الذي يصعب تحقيقه على أرض الواقع.
تم تطوير جامعات الأطفال للعمل معهم في سياق التعليم العالي، وتمكين هؤلاء الأطفال من مقابلة الأساتذة والعلماء كنماذج يحتذى بها، ومشاركة فضولهم اليومي مع العلماء والباحثين المحترفين.
وتظهر الأبحاث أن المشاركة في الأنشطة اللاصفية يمكن أن تؤثر بشكل إيجابي على التحصيل الدراسي، وتزيد من التعاطي الإيجابي للطلبة مع المدرسة، وبناء الثقة بالنفس والمرونة. كما تظهر الأبحاث أيضًا أن الأطفال الذين لا يتمتعون بإمكانية الوصول إلى هذه الفرص يتخلفون عن الركب ويفتقرون إلى الثقة بالنفس، ويفشلون في تطوير التطلعات المهنية. قد تصل فجوة التحصيل الدراسي الناتجة عن عدم الانخراط في الأنشطة اللاصفية إلى درجة أن 25 % من الأطفال الذين يحرمون من مثل هذه الأنشطة يحققون مستويات أقل من التحصيل المتوقع.
تعمل جامعة الطفل على خلق تجربة لتعلم ممتع وطموح ومستمر، ويستمتع كل طفل يشارك فيها حيث يحظى بمجموعة من خبرات التعلم الجديدة، وينمى لديه الحافز لمواصلة التعلم بطرق مختلفة. كذلك تنمية الثقة والإيمان بالنفس، كما سيكتسب هؤلاء الأطفال مجموعة واسعة من المهارات الأساسية بما يتماشى مع إطار مهارات المستقبل، كما سيكون لديهم القدرة لاتخاذ خيارات إيجابية بشأن مستقبلهم، وسيمكنهم التعامل بشكل أفضل مع التحديات التي قد تواجههم في الحياة.
وفي المملكة العربية السعودية، أطلقت وزارة التعليم العديد من المبادرات والمشاريع التي تهدف إلى إعداد أطفال اليوم قادة المستقبل إلى الانخراط في المجتمع العملي والتواجد الفعال بعد إنهاء مراحل دراستهم الأساسية والعليا، ومن أبرز هذه المبادرات والمشاريع:
- تطوير رياض الأطفال والتوسع بخدماتها لتشمل جميع مناطق المملكة؛ لتحقيق الهدف الإستراتيجي «ضمان التعليم الجيد المنصف، والشامل للجميع، وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة للجميع» من خلال المؤشر «نسب القيد الإجمالية في رياض الأطفال» التي من أهم أهدافها رفع نسبة التحاق الأطفال في رياض الأطفال من 17 % إلى 90 % في عام 2030.
- مبادرة الطفولة المبكرة «المكاسب السريعة» التي تستفيد من الموارد المادية، والبشرية، والمالية في تحقيق رفع نسبة الالتحاق بالصفوف الأولية من خلال إسناد تدريس البنين والبنات لمعلمات مع بداية العام الدراسي 1441هـ.
- تأسيس قناة تلفزيونية تختص بفئة الأطفال لدعم توجهات وزارة التعليم.
- مراجعة وتطوير اللوائح والأنظمة الخاصة بمرحلة الطفولة المبكرة.
- تعزيز ورفع مهارات التربويات في الطفولة المبكرة.
- افتتاح وبناء مجموعة من المدارس (رياض أطفال - طفولة مبكرة).
- إعداد دراسات تدعم مبادرات ومشاريع الإدارة العامة للطفولة المبكرة.
- تجويد بيئات التعلم في رياض الأطفال باستخدام «مقياس الإيكرز» أو بما يعرف بـ «مقياس أثر البيئة في الطفولة المبكرة على الطفل»، وفق منهجية علمية وباستخدام أداة علمية مقننة، من خلال الشراكة مع جامعة الملك عبد العزيز للتعرف على السلوك الموجه نحو جودة البيئة التربوية لرياض الأطفال الحكومية، والأهلية.
- برنامج السلامة الشخصية لحماية الطفل من الإيذاء بالتعاون مع «الأجفند» و»اليونسيف»؛ بهدف تعزيز قيم ومهارات السلامة الشخصية لدى الأطفال، والقائمين على تربيتهم من معلمات وأولياء أمور من خلال توفير بيئة تربوية صحية تسهم في تنمية المهارات الوقائية لمختلف أنواع الإيذاء والإهمال.
- برنامج تثقيف الأم، والطفل؛ بهدف مساعدة الأم على إكساب طفلها المهارات الأساسية (عقلية، جسمية، عاطفية اجتماعية) بما يتوافق وخصائصه النمائية بعمر الخمس السنوات، وهو برنامج تثقيفي لدعم الأم ومساندتها في تربية أطفالها، وبرنامج تعويضي للأطفال الذين لم يتمكنوا من الالتحاق برياض الأطفال.
- إعداد وثيقة معايير التعلم المبكر النمائية لمرحلة رياض الأطفال للفئة العمرية المبكرة (3-6) سنوات في المملكة العربية السعودية، حيث تساعد تلك المعايير المؤسسات والفئات ذات العلاقة المباشرة بتربية الطفل، وتعليمه على إدراك التوقعات لما يجب أن يعرفه الطفل، وقادراً على القيام به. وهذه الوثيقة هي دليل وصفي لجملة من التوقعات لما لدى الأطفال من معرفة وسلوكيات ومهارات ستسهم في بناء شخصية الطفل في مراحل التعلّم اللاحقة ليكون مواطناً صالحاً ومنتجاً وفعالاً في مجتمعه.
كل هذه المبادرات والمشاريع ساعدت وستساعد -بإذن الله- أطفال الفئة العمرية المبكرة على الاستعداد لمراحل الدراسة الأساسية في مدارس التعليم العام، ولكن ينقصها الاهتمام بالأطفال الأكبر عمرًا، والذين تكونت لديهم العديد من المهارات، واكتسبوا كما من المعارف أهلتهم للتعرف على توجهاتهم وشخصياتهم مما يسمح لنا بقياس الميل لديهم وبالتالي إلحاقهم بجامعة الطفل حسب توجهاتهم وخاصة العلمية منها، وقد أطلقت بعض الدول العربية مشروع جامعة الطفل أسوة بالدول الغربية، فهل نجد قريبًا جامعة الطفل في المملكة العربية السعودية؟
** **
- مستشار تعليم وتدريب