حمّاد بن حامد السالمي
* ويا لها من معركة..! هي (ذي فار) وليست (ذي قار) الشهيرة؛ التي تغلب فيها العرب على الفرس على أرض العراق قبيل ظهور الإسلام؛ فكأنها كانت تمهيدًا لنصرة الإسلام وغلبته، حتى عدّها العرب من أيامهم العظيمة.
* وهذه معركة خضتها ليلة جمعة فارطة؛ مع فأر أسود كبير لعين. هاجمنا بداية عند الغروب وكنت مع صحب من الأدباء كرام؛ نجلس في مكتبتي الخاصة بين رفوف الألوف من الكتب، وفي حضرة ألوف الأدباء والشعراء والمؤرخين واللغويين والمؤلفين؛ الذين يأخذون أمكنتهم على رفوف المكتبة. دلج من الباب فقمنا نحوه أربعتنا، حتى أرغمناه على الهرب إلى الخارج. لكني ما أن صرت لوحدي بعد العشاء أتصفح كتابًا؛ حتى صرت أسمع قربعة وخشخشة جهة هذه الرفوف وتلك، وكلما قمت للبحث والتقصي؛ سكن كل شيء، وبقيت في قلق وخوف مما أسمع حتى تبين لي؛ أن العدو المهاجم يختبئ بين الكتب المرصوصة، يقرض هذا ويسقط ذاك، ويرسل صرصرة بين حين وآخر، ومكثت بمشعابي الخشبي؛ أبحث عنه إلى منتصف الليل، حتى اهتديت أخيرًا إلى وضع مصيدة من ماسك غرائي على الأرض، وتركت المكان بعض الوقت، ثم عدت إليه ثانية، فإذا عدوي وعدو الأدب والثقافة والتنوير؛ يفرفص فوق اللاصق، وصوت استغاثته يعلو ويعلو.. وحانت ساعة الانتقام منه قبل دفنه بين أكوام الزبالة، فما اشتفيت منه؛ حتى سمعت أذان الفجر. نصر من الله على عدو غازي لا يستحي..!
* تذكرت وأنا في خضم المعركة؛ كم هي المعارك التي خضتها على مدى ثلث قرن، مع مئات ومئات من الفئرة البشرية، معارك بدأت في ربيع الأول سنة 1412هـ بشريط صوتي، علمنني وكفرني على خلفية مقال لي هو: (الخوارج الجدد)، فحرض هذا الشريط الفتني علي جرذان لا عد لها ولا حصر، وظلت المعارك مستمرة من محابرهم ومنابرهم، يُكرّهون فيّ ويحرضون، حتى لم يتركوا مسئولًا كبيرًا وصغيرًا إلا وشوهوني عنده وصنفوني، لم تتوقف المعركة؛ حتى وصلت للرصاص سنة 2004م. لم أستجب لكل طلبات المحبين بالشكوى من سابق ولاحق، واكتفيت بالشكوى إلى خالقي وخالقهم، فنصرني الخالق على شرار الخلق، حتى دخل رموزهم السجون، وأُخرس فروخهم وأذنابهم. ثم يصل فأر آخر إلى كتبي في مكتبتي؛ لأخوض معه معركة ليلية وجهًا لوجه، مضطرًا هذه المرة.
* اكتشفت في هذه الليلة (الفأرية)؛ أن صديقًا لي هو الأديب الشاعر: (أبو هاشم حامد الشريف)؛ خاض معركة مشابهة قبلي في سكنه وزميل له أيام الطلب في الرياض، فكتب قصيدة غنائية من لون (المجالسي) الذي كنا وما زلنا نطرب له، ويغنيه الحضور وهم جلوس، لهذا سمي مجالسي. قصيدة سماها: (ذي فأر). وجدتها تمثلني سابقًا وتاليًا. تعكس حالي مع فئران البشر وفئران الحشرات القوارض. كلها سواء، تقرض وتعبث وتفسد، وترى أنها تنفذ أوامر الخالق في الانتقام من خلقه، والوصاية عليهم رغمًا عنهم. يقول المجالسي الطائفي لأبي هاشم:
قوم يا محمد حانت المعركه
قومْ علومنا اليومه ترى بعدها علوم
الفار حول الأكل يا صاحبي يحوم
ويش البصر بالله يا عِزوتي فيه
فارٍ ولكن من سلاله غريبه
سمّوه جرذي والاسامي عجيبه
يبغا يشاركنا الأكل بالغصيبه
تحت الكنب وبين الأواني مفاليه
جرذي ولكن من عُتاة الجراذي
يقطع في ذيكه ثم يقرض في هذي
منّه بربي كُلّ قطْو استعاذِ
والْيا وقف مَرّه تهابه ولا تجيه
حطّيت له سُمٍّ شديدٍ زعافِ
لو ياكله بتجيه نوبة رعافي
ملعون جدْ يطمره ما يخافِ
رغم الحبوب اللي من الأكل تغريه
وحطّيت له فخٍّ وقفّا وخلّاه
يقول جبن الفخ والله مبغاه
وحطيت له بسكوت لكنّ ما اغراه
جاب لي شقا جعل الولي دوم يشقيه
القاه في المطبخ وفي غرفة النوم
ومرّات في الصاله عسى فاله القوم
في معركة صيده أنا صرت مهزوم
والفار كثرت يا محمد بلاويه
قال ابشر بسعدك وعطني عصايه
أبَنْخسُه لَك وانت خلك ورايه
واليا ظهر لك خل شغلك كمايه
أعطيه ضربه بين راسه واذانيه
شرد لغرفة نوم من خلف دولاب
لاهو بشايل هم منّا ولا يهاب
لكن ضربته بكل قوّه بمشعاب
واليَنّ دمّه سايلٍ بين رجليهْ
قلت يا محمد يا الخوي ألف مبروك
في المعركه حِنّا انتصرنا وانا اخوك
لا تخلّيَ الجرذي على الأرض متروك
ارمه عشا لبساسنا اللي تراعيه
ثم احتفلنا بشُرب برّاد شاهي
ثقيل مع سُكّر ونعناع زاهي
محال تلقا له مثيل بمقاهي
والفار ماعدنا كما الأمس نطريه
والله يا كَمْ فار في مجتمعنا
ياكل بليّا حق مِنّا ومِنّا
والْيا طلبنا حق قام وجحدنا
ما ادري متى ربي من الخبث يهديه
ياكل حقوق الناس مايخاف من شيّ
ويلوي الحقايق دام ما تخدمه ليّ
هذاك يبغالُه وانا اخوك بَس كيّ
الله لا يسدّد في دربه خطاويه
وكم واحدٍ أصبح يخون الأمانه
ثم يدّعي انه من اهل الديانه
عالم خبيثه يا عميلي وجبانه
ما تتبع الا الكذب والصدق ترميه
ويا كم ويا كم ثم يا كم وياكم
في المجتمع ناس قروم كما كُم
وحنّا على السنه ترانا معاكم
وهذا الوطن لا شك بالروح نفديه
* نعم.. نعم.. وهذا الوطن بالروح نفديه.. رغم كيد الكائدين، ورغم أنف كل جرذ خبيث مخبث.