د.عبد العزيز سليمان العبودي
لم يتخيل فيصل بعد تخرجه من قسم الفيزياء بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف الأولى، أن يعمل في الرد على مكالمات المتذمرين من خدمات الشركة التي يعمل فيها، ويمتص غضب الحانقين، ويطالب بحل مشاكل لم يتصور وجودها أصلاً. الأيام الأولى كانت قاسية وكئيبة. وبعد أسبوع صارح أباه بأنه لا يستطيع الاستمرار في هذا العمل وينوي الاستقالة. فرد عليه أبوه: ضع في ذهنك أن هذا النوع من العمل مؤقت وسيأتي بعده الأفضل بإذن الله، وفي أثناء عملك هذا، عليك بالتجهيز للخطة (ب) من حيث تطوير مهاراتك وسيرتك الذاتية، من خلال الدورات والقراءة، ومن ثم البحث عن جهة أخرى تعمل فيها تكون أفضل من عملك الحالي. فلا تترك المكان الذي تعمل فيه حتى تكون قد أمَّنت عملاً آخر. وبعد مرور شهر واستلام فيصل لأول راتب له في الشركة، وكذلك بعد تبادله حكايات العملاء مع زملاء العمل، بدأ العمل يبدو أمتع وأسهل من الأسابيع الأولى، وعرف أن المطلوب منه، ليس حل جميع المشاكل التي تأتي إليه، بل الأهم هو امتصاص غضب المتصل، ومحاولة بيان الاهتمام بمشكلته. حتى بدأ بتكوين قاعدة بيانات من العبارات والردود الممكنة والمناسبة لأي مشكلة. ومن ثم تحويل العملية برمتها إلى شيء من المتعة. فكان يضع جدولاً مرقَّماً أمامه، وكلما جاءه اتصال، صار يحسب المدة التي أخذتها المكالمة، وهل تم حل المشكلة أم لم تحل، أم أنها محلولة ولم تحل في ذات الوقت. وبدأ يتخيل أي مشكلة بأنها قطة شرودنغر ومعها مادة مشعة تتحلل، داخل صندوق. وبعد أن يكتمل تحللها، ستنكسر علبة زجاجية، داخلها حامض الهيدروسيانيك السامة. مدة التحلل قد تأخذ ساعة أو أقل أو أكثر. والقطة ستأخذ حالة بين الموت والحياة بعد ساعة من تحلل المادة. وكان فيصل يتخيل بعض مشاكل المتصلين تنتهي وقد تم حلها ولم يتم حلها في ذات الوقت، خاصة حينما تنفذ قاعدة بيانات الردود ويستهلكها بالكامل، ويبدأ بإعادة كلام المتصل نفسه. أقنع فيصل نفسه بنظرية الموت والحياة بذات الوقت لمشاكل بعض العملاء، مع أن رئيسه في العمل لم يقتنع بذلك وكأنه يعبر عن مقولة ستيفن هوكنج «إذا جاء إليّ أحد وأراد ذكر قطة شرودنغر فسأرفع عليه بندقيتي».
بعد شهرين من هذا الصراع بين المعادلات، وحل المشكلات، وتقبل الاختلافات، أتى إليه أحد القياديين في الشركة وقال له: أخبرني مشرفك المباشر، بأن تخصصك في البكالوريوس هو الفيزياء، بالإضافة إلى ثنائه على أدائك، وكذلك اطلعت على نتائج تقييمات العملاء الجيدة عنك، وحيث إن لدينا قسماً جديداً سيفتتح بالشركة يهتم بإنترنت الأشياء، ونحتاج مجموعة متنوعة التخصصات للعمل في هذا القسم ممن لديهم القدرة على التحليل والبرمجة. وسيكون هناك دورة تأسيسية لمن سيعمل في هذا المشروع، وقد وقع الاختيار عليك من ضمن المجموعة فما رأيك؟ رد، فيصل: أشكر لك التقدير والاهتمام، وبالتأكيد لدي الرغبة في تطوير نفسي والتزود بكل جديد وسأكون جاهزاً بإذن الله لهذا العمل.
** **
- جامعة القصيم