م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1.القومية هي جماعة سياسية مُتَخَيَّلة.. على أساس أن لها حدوداً ولها سيادة تمنح المنتمي لتلك القومية إحساساً بالمساواة رغم أنه يعيش في مجال غير متساوٍ.. وهذا الفرد المنتمي لقوميته يؤمن إيماناً عميقاً بأنها واقعية حقيقية غير متخيلة.. هذا الإيمان العميق بالقومية ليس صادراً عن وعي ذاتي بل إنها اختراع لا وجود له كما يقول المفكرون في هذا المضمار.. فهم يرون أن الأمة والقومية والهوية القائمة على الدين أو المذهب أو الثقافة ما هي إلا هويات متخيلة.
2. كما أن خطاب القومية يقوم على عناصر متخيلة.. فخطاب القومية يقوم على لغة التاريخ والأحداث المشتركة.. والدافع إلى الإيمان بها دافع خارجي وهو الخوف من الآخر.. ففكرة القومية لم يتشكل اسمها كمصطلح إلا في القرن التاسع عشر.. ما قبل ذلك كانت الجماعات تتشكل بأوصاف وتكوينات تنصاع فيها لقوة خارجية هي التي تفرض تشكيلها القومي ومن ثم يتم توارثها.
3. فلاسفة أوروبا حاولوا إيجاد حل لهذا الإشكال المتخيل ممثلاً في القومية ولم يجدوا إلا حلاً أكثر إشكالاً وتخيلاً، كمن ينشد تجاوز المستحيل من خلال اقتراف الأكثر منه استحالة.. وهو الإتيان بمصطلح (كوزموبولتن)، ويعني أن كل الجماعات البشرية بإثنياتها وجغرافيتها وثقافاتها تنتمي إلى جماعة واحدة قائمة على أخلاق مشتركة.. منطلقين في نظريتهم من أن النزاع بين الهوية الوطنية والهوية القومية أو المذهبية هو نزاع مُكْلِف على البشرية لأنه يشتت الأتباع عن التقدم والسلام وبناء الإنسان.
4. الهويات بمختلف أنواعها تعاني فيما بينها من أزمة تعايش تجعل من قيام «مُوَاطَنة عالمية» أمراً يستدعي وقوع حدث عالمي مزلزل يجعل من تلك الفكرة الرومانسية حلاً مطلوباً من الجميع.. وهذه الفكرة تطرق لها الفيلسوف الألماني (كانت) قبل مائتي عام وأسماه «القانون الكوزمو سياسي».. والذي يوحد قوانين دول العالم فلا يعود هناك قانون مدني داخلي لكل دولة وقانون دولي للعلاقة بين الدول.
5. منذ نشوء فكرة الهوية العالمية ظهر لها مقاومون يرون أن شرعية الهوية يجب أن تكون مرتبطة بالناس وعاداتهم وتقاليدهم وثقافاتهم.. وأنه لا يمكن أن تنطلق شرعية الهوية بفرض تعاقدي من خلال القوانين الكونية للإنسانية جمعاء.
6. «القومية» العربية مصطلح منحوت من كلمة «قَوْم»، وإلا فهي مصطلح سياسي بلا أصل في اللغة العربية.. وعُرِفت في أواخر القرن التاسع عشر حينما بدأت المجتمعات العربية تكافح للتحرر من الاحتلال العثماني، فكانت كلمة قومية تجمع المجتمعات العربية تحت مظلة واحدة لأداء دورهم في المقاومة.. فالإسلام يجمع العرب بالأتراك بينما القومية تميزهم عن الأتراك، وفي ذات الوقت تُدْخل غير المسلمين العرب تحت ذات المظلة.
7. مصطلح القومية وإن لقي الترحيب من المسلمين والمسيحيين العرب إلا أنه لقي المعارضة من القوميات الكردية والدروز والزنوج والأمازيغ وآخرين.. فوحدة اللغة هي الأساس الذي تقوم عليه القومية العربية.