محمد سليمان العنقري
لا يقتصر بناء المجتمع الصحي والسليم على انعكاس النمو الاقتصادي عليه بتحسين الدخل والوصول للرفاه الاجتماعي دون أن يتم العمل على بناء الأسرة التي هي نواة وأساس المجتمع البناء الصحيح، ولأجل ذلك تلعب وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية دوراً رئيسياً في الوصول لمجتمع أسري صحي عبر منظومة من الإجراءات والتشريعات التي تربط أفراد الأسرة بسوق العمل وتطوير مهاراتهم وخبراتهم، لكن هناك دور مهم جداً تصل به الوزارة لملامسة واقع بعض الأسر لحمايتها من التفكك كأحد مستهدفات التنمية الاجتماعية السليمة، ولأجل ذلك أنشأت الوزارة الإدارة العامة للحماية الأسرية التي تتولى مسؤولية في غاية الأهمية في مجتمعنا، حيث أُسست قبل نحو عشرين عاماً بهدف الحماية من العنف الأسري بأشكاله كافة الجسدي أو النفسي، وذلك الحماية من قيام أي شخص من إيذاء أحد أفراد أسرته أو جميعهم إذا كان لديه سلطة أو ولاية عليهم يقوم باستغلالها ليمارس هذا العنف.
وقد فسر النظام دور هذه الإدارة التي يفترض أن يعي المجتمع أهميتها ودورها ومتى يستعين بها، حيث تحددت مهامها بالحماية من «إساءة المعاملة الجسدية أو النفسية أو الجنسية أو التهديد بها، إذا قام شخص بارتكابها تجاه شخص آخر متجاوزًا بذلك حدود ما له من ولاية عليه أو سلطة أو مسؤولية أو بسبب ما يربطهما من علاقة أسرية أو علاقة إعالة أو كفالة أو وصاية أو تبعية معيشية، كما ويدخل في إساءة المعاملة امتناع شخص أو تقصيره في الوفاء بواجباته أو التزاماته في توفير الحاجات الأساسية لشخص آخر من أفراد أسرته أو ممن يترتب عليه شرعًا أو نظامًا توفير تلك الحاجات لهم». فالإدارة تعمل ضمن نطاق ما يقع من عنف داخل الأسرة فقط. ولأجل تحقيق أهداف حماية أفراد الأسر من العنف أنشأت الإدارة وحدات حماية أسرية للاستجابة السريعة لأي حالة يتم الإبلاغ عنها، ووفرت لأجل ذلك مركزاً متخصصاً لتلقي البلاغات عبر قنوات تواصل عدة معها سواء عبر الهاتف المخصص له رقم موحد 1919 أو البريد الإلكتروني وغيرها من وسائل التواصل التي تستقبل البلاغات على مدار الساعة، بقصد تحقيق وصول كل معنَّف للجهة المعنية بحمايته والتجاوب السريع مع الحالات المبلغ عنها، فمدة التعامل مع أي بلاغ من لحظة وصوله لتقييمه من قبل مختصين تأخذ أقل من ساعة، حيث وضعت سياسات وإجراءات دقيقة ومحددة للتعامل مع أي بلاغ بحسب طبيعته وتقييم خطورة الحالة، فالتعامل لا يقتصر على وصول المختصين من إدارة حماية الأسرة للحالة بل بعد تقييمها يتم التعامل معها وفق ما تحتاجه، إما لاتخاذ سبيل الإصلاح بين الطرفين أو إدخال جهات شريكة مع الوزارة بالتعامل مع بعض الحالات الخطرة التي قد تتطلب إحالة لجهات أمنية كالشرطة أو للنيابة العامة أو للصحة النفسية، كما توفر الوزارة دور إيواء لنزلاء تعرضوا للتعنيف لإبعادهم عن مخاطر بقائهم مع من قام بتعنيفهم. فكل طرق الإبلاغ والتعامل مع الحالات المعنفة نشرت الوزارة تفصيلات لها وللإحراءات والآليات المتبعة كافة لكل نوع من أنواع التعنيف ومراحل بالتعامل مع كل حالة.
فالحماية الأسرية تشمل النساء بمختلف أعمارهن والأطفال والمستضعفين من كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة. فمشكة العنف الأسري لا تقف عند حدود الحالة المبلغ عنها فقط، إذ له أبعاد خطيرة على الأسرة والمحتمع، فهو عامل رئيسي بتفكك الأسر أو إصابة فرد أو أكثر ممن يتعرضون للعنف الأسري بأمراض نفسية خطيرة كالإحباط والاكتئاب والقلق والاضطراب مما يحولهم لأشخاص سلبيين ويفتقد المجتمع لطاقات مهمة فيه نتيجة ما قد يتعرضون له من عنف يحيلهم ليكونوا بحالة نفسية تشل قدراتهم، وبدلاً من أن يكونوا طاقات إنتاجية نافعة يصبحون عالة على أنفسهم وكذلك أسرهم والمجتمع مما يمثل خسائر اقتصادية وهدرًا لطاقات المجتمع الذي تستثمر به الدولة أموالاً طائلة عبر التعليم والتأهيل لزيادة الإنتاجية والنمو الاقتصادي، إضافة إلى تمكن عادات سيئة لدى البعض منهم كالكذب حتى يبعد عنه العنف والعقاب القاسي الذي قد يتعرض له إضافة إلى وصول البعض لعدم المبالاة بشؤون الحياة كافة لأنه بدأ يتكيف مع العنف. فالآثار السلبية على المجتمع لن تقف عند التفكك الأسري وغياب الشعور بالاستقرار والوصول للإحباط، بل إن ذلك يدفع البعض إلى التعبير عن الكبت الذي عانى منه بسبب العنف الأسري من خلال ممارسة العدوان على أفراد المجتمع، وهو ما ينتج عنه اضطراب استقرار المجتمع. فمخاطر العنف الأسري واسعة ومتشعبة بل إن الدراسات الاجتماعية على حالات من الانحراف لدى بعض الأفراد لما يخالف الأنظمة بأنحاء العالم كافة كان أحد أسباب وصول هؤلاء الأفراد لهذه المرحلة من العنف الأسري.
العنف الأسري ظاهرة لا تقتصر على دولة أو مجتمع واحد بل هي عالمية، ولأجل ذلك تعمل الدولة ممثلة بوزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية للحد من العتف الأسري ومخاطره وضرره على المجتمع عبر أهداف تسعى لتحقيقها تتمثل في توعية المجتمع بأضرار العنف عن طريق الحملات الإعلامية للوقاية من العنف الأسري، وتطوير الأنظمة واللوائح ومتابعة آلية تطبيقها، والعمل على التغطية الجغرافية لمراكز الحماية ودور الإيواء في مناطق المملكة كافة، وكذلك عقد مذكرات التعاون مع الجهات ذات العلاقة بالحماية من الإيذاء، إضافة إلى تطوير قاعدة المعلومات الخاصة بالحماية الأسرية وتوفير المعلومات الإحصائية الموثقة والتعاون مع القطاع الثالث لزيادة التغطية للحماية الأسرية والعديد من الأهداف الأخرى، فهي تقوم بدور متكامل لتغطية الطرق كافة التي يمكن الوصول من خلالها لحالات العنف الأسري، وكذلك تحديد التعامل مع كل نوع من الحالات بمعايير وسياسات تعطي أفضل النتائج حفاظاً على وحدة الأسرة ودعم استقرارها والذي ينعكس على المجتمع والاقتصاد الوطني إيجاباً.