د.فوزية أبو خالد
(1)
حبا للعبة الكرة أو حبا لمن يحبها
كنت أريد أن أكتب شيئًا ما على هامش المونديال في الجارة قطر، كأن أكتب عن افتتاني بلعبة الكرة، ليس بالأصالة عن نفسي في حب الكرة ولكن بالأصالة عن نفسي في حبي لما يحب أبنائي بالأمس ولما يحب أحفادي اليوم، منذ اليوم الذي كنتُ أسهر فيه لما بعد منتصف الليل لأوقظ غسان لمتابعة المباريات التي يحبها أيام امتحاناته في الشهادة الابتدائية، فأفرح لفرحه بفوز فريق أو آخر دون أن أفقه من لعب الفريق وتاريخه الكروي إلا اسمه إلى اليوم الذي صرتُ أقفز فيه مع أحفادي بقدم واحدة فرحًا أو أضربها في الأرض غضبًا لفوز أو خسارة فرق كرة لم أعد أفقه حتى أسماءها. كنت أفكر أن أتوسع في كتابة التغريدة التي كتبتها يوم السبت الماضي مستنكرة وناقدة لتكريس التصور الاستشراقي عنا وعن الصحراء والنساء الموثق في الإنتاج الثقافي للمستعمر الغربي في مجالاته الأكاديمية وفي أعماله الأدبية والتشكيلية عن المنطقة، والذي قامت واحدة من أغاني المونديال باستنساخه وتأكيده من خلال إعادة إنتاج المخيال الاستشراقي عن المنطقة بتلك الطريقة الاستعراضية المسخ. كما أنني فكرت في الدخول من خلال مقالي هذا طرفًا ناقدًا لتلك النقمة الإسقاطية غير المبررة التي صبها بعض من أبناء العروبة والإسلام وهما من أولئك براء، على قيام مونديال قطر بتقديم صورة عن الجانب الجمالي والقيمي للإسلام. قمتُ بتقليب عدد من الموضوعات الجادة والجميلة التي يمكن أن تكتب عن أهمية قيام هذا الحدث الرياضي العالمي لأول مرة على أرض عربية وبدولة من دول مجلس التعاون الخليجي إلا أنني عدلتُ عن الكتابة فيما ليس لرأي أي أهمية في مجاله لأكتب والناس منشغلون بهذا الحدث بالأصالة عن أنفسهم وشغفهم الكروي الأصيل أو بمجاراة التيار العام وشغفهم الكروي المقلِد لأخلو بالكتابة عما قد يكون لرأي أهمية في مجاله للقلة مثلي التي قد تحب الكرة حباً لمن تحب ولكنها تحب الشعر وجمال الكلمة لوجه الإبداع خالصاً من أي هوى وغي إلا غي الشعر.
(2)
هل ما زال من مكان للشعر في عالمنا التقني اليوم
كأن السؤال مزحة أو نوعًا من أنواع السخرية السوداء وإلا كيف لشاعر أن يقبل بمثل هذا السؤال الذي يحاول عبثاً أن يمد مخالبه على أخيلة الشعر بمخاطف الفلسفة على حساب الإلهام الشعري، ولكن باختصار مخل لا يخلو من الخيانة، أرى شخصياً كعاشقة وشاعرة أنه إذا كان الماء مكونًا وجوديًا لكل شيء حي فإن الشعر هو مكون وجداني وجمالي لكل ضمير حي ولكل كائن نابض، فقشعريرة الشتاء شعر، وحفيف الأوراق البهارية كتاب الخريف الشعري، ووشوشة الفراشة لعرائش العنب شعر، ونداء ماما شعر، وحرائق الشوق شعر، وحالات الحنين شعر، ورائحة الخبز كرائحة الحبر تقطر إيقاعاً شعرياً لا يمس بالحواس.
هناك حس عام قد يكون به شيء من الصحة بتراجع حضور الشعر في الفضاء العام على مستوى عالمي، خاصة مع تقدم الفنون البصرية وتدفق العواطف بأنواعها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وإن لم أقرأ إحصاءات محققة بذلك، إلا أن الدور الذي يضطلع به الشعر في الوقت الراهن -برأيي- هو الدور نفسه الذي اضطلع به الشعر من فجر الحضارة الإنسانية بل من فجر الوجود الإنساني على الأرض.
هذا بطبيعة الحال مع وجود تنويع على ذلك الدور يتناغم مع طبيعة العصر ويتمثل في «الدور الإلهامي للشعر» الذي يستطيع أن يمد البشر بالشجاعة للتمرد على الأدلجة والقولبة والتشابه والتكرار ليتمادوا في الذهاب أبعد من حدود الجسد وأعمق من سطحية السائد والرائج والممكن.
فالشعر بهذا المعنى هو منشود الشفاء وهو طاقة القلق الذي لا شفاء له ولا ينبغي التداوي منه.
وأرى في حصول الشاعرة الأمريكية لويز جلوك Louise Gluck على جائزة نوبل للشعر، في هذه اللحظة التي تشيء هيمنة الثقافة الاستهلاكية كل حس إنساني وتشيع الهيمنة السياسية والاحتكار الاقتصادي الأمريكي والغربي ثقافة التفاهة والإرهاب معاً، نوعا من محاولة رد الاعتبار لإنسانية العالم بتلك الريشة المرهفة التي اسمها الشعر.
وفي هذا يصح ما قيل بأن قراءة قصيدة هو تحتاجه الروح للحصول على حصتها اليومية من جرعة الفلسفة والجمال ومن ملح الحلم وومضة النبوءة. وأختم بما كتبه الشاعر روبرت فروست إلى لويس انترمير في كلمة مرشحة للخلود حيث قال عن ماهية الشعر «إن القصيدة تبدأ بغصة في الحلق يصاحبها إحساس بالذنب مريع يفسده حنين للوطن وولع بمعاودة الحب وعدم الكف عن ارتكاب الحياة».
(3)
قصائد
ريشة من طيش الشعر
أندفع بكل ما في اجنحتي
من جبروت وطيش وإباء
يخشى البحر غضبي المفاجئ
يحذر البحارة تقلب مزاجي الحاد
تتخطفني الريح
مدا وجزرا
الهث لهفة
في اندفاع
انطوي ملتاعة
في انسحاب
وحدها اليابسة
ولهى
ظمآى
في تهور
تدعوني
نتبادل
على رؤوس الأشهاد
عناق الرمل والماء
الشعر إكليل الكلمات وشعلتها
أبحث
عن كلمات بشهدها
عن كلمات بأكمامها
عن كلمات بشوكها
أفتش
عن كلمات بغفلها
عن كلمات بحيائها
عن كلمات بمشيمتها
عن كلمات بعتمتها
أنقب
عن كلمات ببكارتها
عن كلمات بسمها
عن كلمات بمجهولها
عن كلمات بمخالبها
عن كلمات بجفولها
أنبش
عن كلمات بحرارتها
عن كلمات بغموضها
عن كلمات ببراءتها
عن كلمات بطيشها
عن كلمات بكبريائها
ألاااااحق الاااااحق الكلمات
كلمات بجدتها ورهجتها وجنونها
كلمات
تخرب خبرتي
تخرج على تجاربي
كلمات
أكتب بنضارتها قصيدة موتي