أعرف أن النساء لا يرغبن في ذكر حقيقة أعمارهن خاصة من تجاوزت أعمارهن سن الثلاثين عاماً أو أكثر, ولكننا بدأنا نحن الرجال ممن تجاوزت أعمارنا الأربعين عاماً أو أكثر لا نود ذكر سنوات أعمارنا لأكثر من سبب. أذكر أننا في سنة من السنوات الممطرة ذهبنا في رحلة برية إلى الصمان مع الشيخ المهنا رئيس محاكم مدينة الرياض, وكنا نداعب بعضنا بالكلام تمضية للوقت والتسلية, وتساءلنا عن الأعمار فقال الشيخ رحمه الله لا تذكرون الأعمار حيث إننا كنا في يوم من الأيام في مجلس وتحدث البعض عن الأعمار وذكروا عمر أحدهم, ودارت الأيام وذهب هذا الشخص ليخطب بعد سنوات, وسألوه عن عمره فصغّر نفسه فقال له أحد الحاضرين قبل سنوات كان عمرك أكبر من هذا فكيف يعود العمر بك القهقري؟ وقال لنا الشيخ معلقاً لا تذكروا أعماركم فقد يحصل لكم موقف مشابه وتحصل الفضيحة، وأعلق أنا بالقول إن الصمت حكمة وقليل فاعله وإن كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب.
لا أدري لماذا دارت بخواطري هذه الأفكار, ولكن قد يكون السبب ذهاب إحدى بناتي مع أفراخها إلى البلاد السويسرية هذا البلد الجميل والمضياف, مما عاد بذاكرتي لسنوات خلت فقد تم ابتعاثي بعد حصولي على شهادة الثانوية العامة وذلك في أواخر عام 1384هـ إلى هذه البلاد للدراسة مع ثلة كريمة ممن أعتقد أنهم من النخب الجادة, وبدأنا في دراسة اللغة الفرنسية في بلاد من أروع بلدان العالم جمالاً ونظافة وهدوءاً، حيث إن كل مدينة فيها تحتضن بحيرة رائعة الجمال, ذات مياه صافية زرقاء, وجبال تكسوها الخضرة وشوارع نظيفة جداً تتناثر الزهور والورود على جنباتها، والبلاد السويسرية بلاد مضيافة تجل السياح وتقدرهم، فهم يعلمون أنهم جاءوا لينفقوا الأموال في التطواف في بلادهم ووسط هذا الجمال والهدوء والنظافة.
فالبلاد السويسرية بلاد صناعية متقدمة في كل ميادين الصناعة من مدنية وعسكرية مع أنك لا تلاحظ أي تلوّث للبيئة أو إفساد للطبيعة بل العكس, وتشتهر بصناعة الساعات الثمينة والشكولاتة الراقية وصناعات كثيرة وكبيرة متنوعة وهامة بل إنها لو أرادت صناعة أسلحة الدمار الشامل لحققت ذلك في زمن قصير جداً.ووسائل المواصلات لديهم تتحرك بدقة فائقة، وتدريب الجيوش السويسرية لا يتوقف حتى في الإجازات الأسبوعية والعطل الموسمية لدرجة أنك تظن أن البلاد في حالة حرب أو سوف تخوض حرباً ضروساً خلال أيام معدودات، فلا وقت للتواني والانتظار كل هذا شاهدته قبل أكثر من خمسين عاماً فكيف بها الحال اليوم؟
لقد أحببت تلك البلاد حباً جماً لا يداينه إلا حبي لوطني المقدس والذي ننعم فيه بالأمن والأمان ونعمة الإسلام التي لا يضاهيها نعمة في ظل حكومة رشيدة، ونسيت أن أذكر أن البلاد السويسرية ليست من أجمل بلدان العالم فحسب بل من أكثرها أماناً ورقة وعناية بضيوفها، وعلى كل فهذا فيض من غيض فما الحب إلا للحبيب الأول وقد ذهبت إلى بلدان أخرى في أوروبا مثل فرنسا وأمريكا الشمالية وتحديداً الولايات المتحدة الأمريكية ولم أجد جمالاً وأنساً ونظافة وهدوءاً مثل ما هو الأمر في البلاد السويسرية.