د. تنيضب الفايدي
الاحتفاظ بالبصمات التاريخية للحضارات دليلٌ على تقدير الأمم السابقة، وما خلّفته تلك الأمم من آثار تاريخية تتمثَّل في النقوش والمعابد والأدوات والمنشآت الحجرية، كما أن الاحتفاظ بما يحويه الوطن دليلٌ على الثقافة والمستوى العلمي لمن يعيش على ترابه، والبحث عن تاريخ تلك البصمات التاريخية وتجديد المعلومات عنها دليلٌ على حبّ المواقع التي وجدت بها تلك النقوش التاريخية، أما إزالتها جهلاً أو عمداً فإن ذلك دليلٌ على أمية وجهلٍ مطبق، وكان الاهتمام بتلك الآثار والنقوش قديماً، حيث يروي الكاتب للقراء والقارئات قصة بذكي من أذكياء (العربية) وفيلسوف عربي كبير، ذلك هو أبو العلاء المعري ويعلم الجميع بأنه أعمى ويعرف بأنه رهين المحبسين (العمى ولزوم البيت)، أي: أن أبا العلاء لا يستفيد من المآثر بجميع أنواعها إلا إذا كانت بواسطة اللمس أو ينقل إليه وصفها، ومع ذلك كان يدافع عنها أي: عن الآثار دفاعاً قوياً حيث مرّ ذات يومٍ برجل يقطع حجارة من أطلال سياث وهي قرية قريبة من المعرة القديمة فراعه تكسير هذه الأطلال فقال:
مررتُ برَبعٍ من سياث فراعني
به زجَلُ الأحجار تحت المعاولِ
أَمُتلفَها شُلَّتْ يَمينُك خَلِّها
لمعتبرٍ أو زائر أو مُسائلِ
منازل قومٍ حدثتنا حديثهم
فلم أَرَ أَحلى من حديث المنازلِ
وقد عدّد أبو العلاء بعض الأهداف التي تحققها الآثار، حيث دعا بالشلل لمن يزيلها، لأنها تركها ( أي:الآثار) كما هي يستفيد منها( المعتبر، أو الزائر أو السائل)، ولا أحلى من حديث الآثار (المنازل)، وقد كتبت هذه الأبيات سواءً بطلبٍ منه أو من غيره على بعض جدران سياث، ويدلّ ذلك على عمق ثقافة أبي العلاء المعري، وكان ذلك قبل أكثر من (1000) عام. وهناك مئات المواقع مثل (سياث المعري) في وطننا الغالي ومن هذه المواقع قرية الشمويس بحائل وهي تعتبر أحد أبرز المواقع الأثرية في وطننا الغالي نظراً لتنوع المواقع السياحية والأثرية والتاريخية التي تحتضنها، فهي غنية بالآثار، وتشكل مادة تاريخية خصبة يندر وجودها في شبه الجزيرة العربية وهي أجدر أن نطلق عليها المتحف الأثري المكشوف لوجود عدد كبير من الآثار لحضارات الأمم السابقة تمثل بالنقوش والرسومات وخطوط المسند وصور الحيوانات مثل الوعول وطريقة الصيد وغيرها، إن آثار الشويمس تعتبر من أهم الأماكن الأثرية في شبه الجزيرة العربية حيث يوجد بها أقدم نقوش العرب وغنية بالرسومات والكتابات التي يعود تاريخها إلى قبل الميلاد، والبعض الآخر في عصور صدر الإسلام. وتقع الشويمس جنوب مدينة حائل وشمال غرب الحائط (فدك)، كما تقع على حافة حرة النار الشمالية بالقرب من وادي المخيط، الذي يفصل ما بين حرة ليلى وحرة النار، كما أنها قريبة من «قاع السباق» الشهيرة بأطول معركة في تاريخ العرب، واكتشف بجوارها حديثاً موقعان يعدان من أقدم مواقع الرسوم الصخرية في الوطن هما: راطا والمنجور, ويقعان جنوب غرب الشويمس, ويوجد بالموقعين لوحات فنية رائعة عبارة عن مناظر صيد يبدو فيها أشخاص يحملون الأقواس ويصطحبون معهم كلاباً والعديد من رسوم الأبقار بالحجم الطبيعي بالإضافة إلى رسوم أسود وحمير وفهود ووعول بالحجم الطبيعي يرجع تاريخها إلى أكثر من 10 آلاف سنة قبل الميلاد وهي من الحقبة الثمودية. وعثر بالموقعين على لوحة رائعة تمتد لمسافة 12متراً تضم رسوماً آدمية وحيوانية وهندسية, وإلى جانب موقعي راطا والمنجور هناك مواقع أخرى في الشويمس بها رسوم صخرية في جبال: البراقة وأبو رخم والسعافات ووادي الجيب.
ومع هذا الجانب فقد اشتهرت قرية الشويمس بكثرة الكهوف فعلى حافة حرة النار يظهر كهف (شعفان) ويطل بفوهته المترامية الأطراف، كأحد أكبر الكهوف في الوطن ويتجاوز طوله كيلومترين ويرتفع حتى يصل 8 أمتار وينخفض حتى يصل 800 متر تحت الأرض، ويحوي طرقًا فرعية متعرجة لا يعرف طول نهايتها، ويضم الكهف جماجم وعظامًا متفرقة.
وقد بذلت هيئة الآثار والسياحة في قرية الشويمس جهوداً مشكورة لجذب أنظار الناس إليها وفعلاً بدأت تؤتي ثمارها، حيث جاءوا آلاف الزوار والسائحين لمشاهدة هذه الآثار.
وكانت آخر زيارة للكاتب للشويمس قبل عشرين عاماً بصحبة الأستاذ الدكتور سليمان الرحيلي - رحمه الله - وكانت في الموقع بدايات لإنشاء فنادق لاستقبال السياح وتبقى الآثار التاريخية، ولست أدري ماذا تم بعد ذلك.