عطية محمد عطية عقيلان
في غضون سنوات معدودة ومن سمسار في سوق الأموال الأمريكية وول ستريت إلى شاب طموح، لمع اسم «سام بانكمان فرايد»، وهو في أواسط العشرين من عمره، وكان يشار إليه بالشاب المغامر مقتنص الفرص، حيث بدأ اهتمامه بالعملات المشفرة عام 2017م، وكان يوصف بالأسطورة في أسواق العملات الرقمية، بل يقال إنه كان يجنى يوميًا مليون دولار بفكرة بسيطة، مستغلاً فرق الأسعار والتوقيت في الأسواق المالية بين أمريكا واليابان، وبنشاط العملات الرقمية خلال عام 2020م بسبب جائحة كورونا وإقبال المستثمرين عليها لجني أرباح فلكية، حيث بلغت على سبيل المثال «البيتكوين فوق 68 ألف دولار، والآن أقل من 15 ألف دولار»، وأصبح من أصحاب المليارديرات، ودخل عالم الأثرياء وهو لم يتجاوز الثلاثين من عمره، بل لقب «الفارس الأبيض»، منقذ العملات الرقمية، حيث أطلق منصة FTX وهي بورصة للعملات الرقمية وذلك عام 2019م، وكانت تعتبر من أكثر منصات التشفير استقرارًا في العالم، ولشهور ماضية كان باكمان يعتبر شابًا من رواد الأعمال صاحب مهارة وأسطورة وقدوة في عالم المال، وقيمة منصته تقدر بمليارات الدولارات، ولكن في شهر نوفمبر لعام 2022م وخلال الأسبوع الأول فقد باكمان 16 مليار دولار من ثروته لتصبح صفرًا، وتتهاوى منصته وتنهار بشكل دراماتيكي، وتنسحب منها المستثمرون ويهربوا بأموالهم، وتبدأ المنصة في إجراءات الإفلاس، مما دعا بلومبيرغ أن تطلق على ما حدث مع باكمان «أنه أحد أكبر حوادث تبديد الثروة في العالم»، وبدأت السلطات في جزر الباهاما، بالتحقيق في الاشتباه في وجود سلوك إجرامي محتمل وراء الانهيار المفاجئ والسريع لمنصة FTX، حيث مقرها هذه الجزر، بسبب انعدام الضرائب، ومن الطريف أن صاحبنا باكمان أو من كان يطلق عليه لقب «الفارس الأبيض»، كان يتبع خطى رجال الأعمال المشهورين في طريقة الكسب وهي:
- التعامل مع الأسواق والمخاطرة، لاسيما أن الأموال التي كان يتحصل عليها هي من مستثمرين ومشتركين في المنصة.
- تقفي أثر رجال الأعمال من ناحية الأعمال الخيرية، حيث صرح في بأنه سيحتفظ فقط بـ 1 % من الأرباح وسيتبرع بالباقي، ليطبق مبدأ الإيثار الفعال، والكسب مقابل العطاء»، إضافة إلى الدعم السياسي لأحد الأحزاب، حيث يعتبر من كبار الداعمين للحزب الديمقراطي في أمريكا.
لذا عزيزي القارئ، لي ولك هي رسالة بعدم الاغترار وتصديق ما نقرأه أو نسمع عنه لرواد الأعمال والخير الذي يقدمونه، فما تم الكشف حتى الآن، عن سام بانكمان الملقب بالفارس الأبيض منقذ العملات الرقمية، وفاعل الخير ومساعد الشركات المتعثرة والخاسرة حتى تعود للربح، تهاوى في أيام معدودة، سواء على مستوى تبديد الثروات وخسارة ملايين الأشخاص لأموالهم، أو على مستوى خسائر وظائفهم، وأن العمل الخيري الذي كان يقدمه، هي من أموال الناس وتعبهم، وقد تندرج حكايته تحت باب «تلبيس الطواقي» من خلال أقناع أكبر عدد من المستثمرين بالربح، ليستمروا في ضخ الأموال واستقطاب مستثمرين جدد، ولكنه في مرحلة ما مهما طالت ستنكشف، أو قد تجد من يغطي عليها وتجعله أسطورة ورجل أعمال عصامي ومثابر وقناص فرص ومغامر، لأنه وجد من يساعده في تجاوزه، وتحول إلى طماع يستحل أموالهم ويعبث بها، بل يتبجح بفعل الخير وادعاء الفضيلة بالتبرع وعمل الخير.
خاتمة: من أقوال البرت انشتاين «الفرق بين العبقرية والجنون شيء بسيط جدًا، هو أن العبقري، دائمًا ما يقف عند الحدود المناسبة، قبل وقوعه في الجنون»، وهذا ما يحدث أيضًا في عالم ريادة الأعمال عند عدم التمييز بين المغامرة والطموح، وتحولها إلى تهور وعبث ومخالفة للأنظمة والقيم، لاسيما في أموال الناس التي أؤتمنوا عليها، وتبديدها بسوء إدارتهم وتهورهم وعبثهم واستهتارهم بحقوقهم.