عمر إبراهيم الرشيد
يقول علماء النفس والأحياء بأن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يفكر في تفكيره. فهو قادر على نقد تفكيره ومراجعته أو لوم نفسه على سوء ظن أو فكرة خاطئة مثلاً.. الخ. أنهيت قبل أيام قراءة كتاب (سيكولوجية الجماهير) للمفكر والعالم الموسوعي الفرنسي جوستاف لوبون والذي ألفه عام 1895م. والكتاب هو جملة تحليلات وآراء هذا المفكر عن طريقة تفكير الجماهيرفي حالة الثورات أو الأزمات أو القضايا العامة الطارئة، وانقيادها في الغالب خلف من يحرك عواطفها لا عقولها بالشعارات والخطب لأن تلك الجماهير تتأثر ببعضها البعض بفعل العدوى والعاطفة لا التفكير العقلاني (الذي يحدث للفرد إن كان منعزلا عن الجموع حيث يفكر ويحلل ويحسب النتائج أو العواقب). والجماهير التي يتحدث عنها جوستاف لوبون غير محددة الجنسية أو الديانة أو العرق، فهو يتحدث عن أي جماهير تتجمع وتحتشد - أو تتواصل عبر مختلف الوسائل الرقمية والتواصل في عصرنا الحالي - وذلك بعد أن يحركها شخص مفوه ومتمكن من التأثير على تلك الجموع. هذا الكتاب أسس لما يعرف بعلم النفس الاجتماعي، أي دراسة السلوك الجماهيري وما يؤثر ويتأثر به على نطاق المجتمع. وفي الحقيقة هذه الآراء والأفكار التي صاغها المؤلف وجدتها تشرح عدداً من الظواهر والحالات التي نراها في مجتمعنا أو أي مجتمع آخر. فالإشاعات تصبح حقائق مع الوقت بالنسبة لغالبية الجمهور، خاصة تلك التي ترضي نزعة التمرد على السائد لدى من ينجرف مع التيار وهو ما يندرج ضمن تفكير الجماهير.
يقول جوستاف لوبون أن الجموع الحاشدة والتي حركتها قضية مشتركة، بصرف النظر عن جنسية أو ثقافة أو معتقد هذه الجموع، يقول بأن بينهم المتعلمون والأذكياء والمهنيون وإن كانوا قلة، لكن انخراطهم في تلك الحشود الثائرة يجعلهم يخفون قناعاتهم أو يتخلون عنها مؤقتاً، لأن العقلية الجمعية للجماهير تتطلب الانصهار ونسيان الفردية، والانقياد خلف قضية الجماهير تلك بغض النظر عن عقلانيتها أو صحتها، فالعاطفة هي التي تحرك هذه الجماهير، وقد أتقن من حركهم كيف يدغدغ مشاعرهم وعواطفهم بالشعارات ويخاطب عواطفهم لا عقولهم. الكتاب يقدم تحليلاً وقراءة لعقلية الجماهير وكيف انها تنساق للاشاعات على سبيل المثال ولا تتروى في تدقيقها قبل تصديقها، يفسر الكتاب كذلك أشكال التعصب ومنه الرياضي على سبيل المثال. ويحلل كيف أن السياسيين في حملاتهم الانتخابية يخاطبون الجماهير بالعاطفة لا بالعقل، وهو يتحدث عن فرنسا كبلد ديمقراطي كما يرون أنفسهم، بينما المؤلف يقوم بفضح جرائم بني جنسه ابان الثورة الفرنسية التي طالت اعداماتها عشرات الآلاف من الأبرياء بمن فيهم أطفال ونساء كانوا مسجونين، فرأى الثوار اعدامهم حتى لا يشكلوا عبئا على الجمهورية الناشئة!.
مقال صغير لا يمكن أن يستعرض كل ما في هذا الكتاب، لكني أنصحكم بقراءته ولكم أن تقبلوا أو ترفضوا بعض أو كل ما فيه، فهو مجموعة آراء وتحليلات فكرية لطريقة تفكير الجماهير، فيعينكم على فهم كثير من الظواهر الاجتماعية بشكل علمي ونفسي، إلى اللقاء.