العقيد م. محمد بن فراج الشهري
مرت سنوات عدة على الحرب اليمنية وهي تراوح في مكان واحد، وطريقة واحدة وأسلوب تكرر مروره وحضوره في كل عام.. إنها مأساة شعب كان ضحية لتآمر أعداء الداخل والخارج، ففي الداخل كان لتراخي القبائل اليمنية، ومشائخ القبائل الدور الأكبر في تشتيت الرأي اليمني، واللحمة الوطنية، وعدم الالتفات إلى ما يحيط بهم من كوارث، مفضلين المكتسبات الفردية الضيقة التي طغت على وطنيتهم، وتلك الأحزاب التي زادت الطين بلّة، وعلى القائمة حزب الفساد أقصد (حزب الإصلاح) الذي لم ير اليمن منه خيراً خلال هذه الحرب.. أضف إلى ذلك التنازعات الحزبية الضيقة التي تبحث عن مسارات لتحقيق أهداف لا تخدم الشعب اليمني ولا وحدته، من يصدق أن عصابات الحوثي التي لم تكن في يوم من الأيام جيشاً منظماً معروف تشكيله وتدريبه، بل كانت عصابات بمقاتلين من الشوارع أغلبهم أطفال، من يصدق أنها ما زالت تمارس تخريب اليمن وتدمير بنيته التحتية، والارتماء الكامل في أحضان النظام الإيراني، إضافة إلى تغيير المناهج الدراسية، وهدم المساجد، وتبني سياسة خلع ما هو نهج يمني إلى نهج فارسي، لقد كان لعاصفة الحزم الدور المثمر في إنقاذ اليمن واليمنيين من استعمار إيراني وغربي، وطمس الهوية اليمنية.. وكان ذلك في الوقت المناسب جداً لإيقاف المد الشيعي والأيادي الخفية الغربية التي ساندت هذا التوجه، ولكن عاصفة الحزم قوبلت بعدم التعاون من اليمنيين أنفسهم، وتشتت كلمتهم، واعتمادهم على غيرهم في تسيير شؤونهم، هذا إذا ما أضفنا تخاذل الدول الكبرى، والأمم المتحدة، وتسهيل مهمة الحوثي، لأهداف معروفة ومدروسة، ومكشوفة، وكان من المخجل تماماً أن يتواطأ ممثلو الأمم المتحدة وتسهيل مهمة الحوثي، وكان من المخجل تماماً أن يتواطأ ممثلو الأمم المتحدة مع مليشيات الحوثي للتغطية على إخلالها بمسؤولياتها تجاه القرارات الأممية، والدول الكبرى والأمم المتحدة يعلمون أن الحوثيين جماعة انقلابية استولت على الدولة وأراضي الجمهورية بطريقة غير مشروعة، وفقاً لقرار مجلس الأمن (2216) ومفهوم الانسحاب الوحيد هو انسحاب المليشيات لصالح الشرعية، عدا ذلك فهو مخالف للقرارات الأممية وخديعة غير مقبولة سرعان ما تنكشف، وتطيل أمد الحرب ولا تصنع سلاماً، وهذا هو واقع الحال حالياً ومن أمثلة التواطؤ أيضاً ما يقوم بها السفير الأمريكي في اليمن، حيث إنه طلب أن تحول جميع التحويلات المالية الخارجية والمعونات للبنك المركز، الذي هو تحت سيطرة الحوثيين... وهناك بنوك أخرى يمكن أن تكون بديلة لكنه يصر على ذلك وهذا يعزِّز مراكز الحوثيين، وقد أصبح واضحاً الآن أن ما يدور في اليمن من خلاف لم يعد خلافاً يمنياً، بل ناتج عن التدخلات الدولية.. إذ إن الاتحاد الأوروبي هو من يوفر الغطاء الدبلوماسي للحوثي، وكذلك التغطية على أعمال هذه المليشيات وهذه جريمة بحق اليمن تؤدي إلى استمرار الحرب.. والغريب أن الدول الكبرى تشاهد ما يقوم به الحوثي من أعمال إجرامية وعدم التزام بالهدنة التي هي السبب الرئيسي في تقوية الحوثي فهو أصلاً لم يلتزم بأي هدنة أو بأي قرار، والمجازر التي ترتكبها مليشيات الحوثي ضد المدنيين في تعز وغيرها من المدن اليمنية، وعدوانها على أهالي (خبزة) ومجزرة الطفولة في تعز، ومنع وصول الغذاء والدواء، وتفجير المنازل، والطامة الكبرى التي لم تقم لها الدول الكبرى أهمية حتى الآن تهديد الملاحة البحرية وآخرها ميناء (الضبعة النفطي) بحضرموت دون النظر في هدنة أو غير هدنة، واستهداف آخر صوب ميناء (النشيجة) في شبوة مستغلة بذلك تواطؤ المجتمع الدولي، وخطابات السلام الانهزامية، وتصلب ردود أفعال الحكومة اليمنية. وبهذا التغافل والتواطؤ الأممي وآلاعيب الدول الكبرى ستستمر المشكلة اليمنية دون حل، ولو ترك الأمر من بدايته لعاصفة الحزم لكان الحوثي اليوم في خبر كان.. ولولا الهدنات المتكررة لما تفوق الحوثي ورتب أوراقه، ولولا الدول الكبرى لكان اليمن في خير وسلام، أما مليشيات الحوثي فهم ينفذون أجندة إيرانية وسيظلون يقصفون، ويقتلون، ويحرقون، ويفجرون، ويزرعون الألغام، ولا فرق عندهم بين مدني وعسكري، ويصنفون أعداءهم بأنهم إرهابيون ودواعش، وقتلهم واجب وفقاً للأيدلوجية والتعبئة العقائدية التي تربت عليها مليشياتهم، فهؤلاء ليسوا ملتزمين بخطط في الحرب أو التوقف عن ارتكاب انتهاكات لاعتقادهم بأنهم يؤدون واجباً مقدساً، وأن سيدهم هو وحده ظل الله في الأرض! كما أن قرارات الحرب ليست بأيديهم ولا يملكونها، هم منفذون فقط لما تمليه الإرادة الخمينية، وعلى الدول الكبرى، والاتحاد الأوروبي تقع مسؤولية استمرار هذه الحرب اللعينة قبل أن تلسعهم نارها، كما فعلوا مع داعش سابقاً وحكاية الربيع العربي فهم من اكتووا بنار تلك الفتن وآثارها تتبعهم حتى الآن، وهم وحدهم من جعل الحوثيون يستمرون حتى الآن.