محمد سليمان العنقري
الشراكات الخارجية هي جسر عبور أي دولة باقتصادها إلى مرحلة متقدمة من التنافسية ورفع ناتجها المحلي وزيادة الطاقة الاستيعابية عبر جذب الاستثمارات وتوطين التقنية, وتعد هذه الشراكات والسعي لتعزيزها ركيزة رئيسية في توجهات الاقتصاد السعودي من خلال ما حددته رؤية 2030 من أهداف ولأجل ذلك تم إصدار وتطوير الكثير من الأنظمة والتشريعات لتوفير بيئة صحية جاذبة للاستثمار المحلي والخارجي, وتكثفت الزيارات واللقاءات مع الدول المتقدمة والناشئة اقتصادياً, وعقدت اتفاقيات وشراكات نوعية لتسهم بتكامل العمل الكبير الذي يتم حالياً على تنفيذ برامج الرؤية والمشاريع الضخمة التي تعد نقلة كبيرة بتوجهات الاقتصاد السعودي واستثمار كافة إمكانياته بمختلف القطاعات, فالوصول لاقتصاد متنوع يولد آلاف الفرص الاستثمارية وملايين الوظائف رحلة شاقة وتتطلب جهوداً كبيرة ولا يمكن أن تتم بمعزل عن علاقات وثيقة وشراكات عميقة مع دول العالم.
فما يقوم به سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان من جهود لتعزيز العلاقات مع الدول ذات الأهمية الكبيرة اقتصادياً من خلال الزيارات المتبادلة واللقاءات مع قادة دول العالم ومسؤوليها ورؤساء كبرى الشركات بالعالم بما يحقق مصالح المملكة في أهدافها التنموية يعد ذلك نهجاً متقدماً يعزز الثقة بالاقتصاد الوطني من خلال ما ينتج عن هذه الزيارات واللقاءات من اتفاقيات وشراكات مع دول العالم, وكذلك كبرى الشركات بتلك الدول فزيارته لدول آسيوية تعد بالغة الأهمية حيث بدأ أول محطاته من إندونيسيا أحد أهم الاقتصادات الناشئة في آسيا والعالم, وذلك لحضور قمة العشرين التي عقدت في ظروف اقتصادية دولية معقدة من حيث التحديات, ثم كانت كوريا الجنوبية ثاني محطاته وهي الدولة التي ترتبط بشراكة وعلاقة متينة مع المملكة منذ حوالي الستين عاماً وتعد من أهم الشركاء التجاريين للمملكة حيث يبلغ حجم التبادل التجاري معها حوالي 100 مليار ريال سنوياً, وتم خلال الريارة توقيع اتفاقبات لاستثمارات بحوالي 29 مليار دولار وهو ما يعزز العلاقة مع دولة ذات ثقل اقتصادي مهم بالعالم وتمتلك التقنية بمجالات عديدة ولديها شركات تعد من الأكبر بالعالم مثل سامسونج وهيونداي وغيرها, وقد أكد سمو ولي العهد على «دعم فرص التكامل الاستثماري بين السعودية وجمهورية كوريا في عدد من القطاعات ذات الأهمية المشتركة ومنها: الصناعة، والطاقة المتجددة، والاتصالات وتقنية المعلومات، والصحة، والتقنية والابتكار، والنقل والخدمات اللوجستية، والسياحة، والرياضة، والثقافة», كما رحب سموه «بالعمل مع كوريا لإنجاح المشاريع الضخمة التي تنفذها المملكة العربية السعودية، وأعمال البنية التحتية المرتبطة بهذه المشاريع، وأهمها مشروع نيوم، مشجعاً كبرى الشركات الكورية للاستثمار وإنشاء مقرات إقليمية لها في المملكة»، والتي أصبحت وجهة الاستثمار الأولى بالشرق الأوسط فهي الأعلى نمواً بين دول مجموعة العشرين بما يقاربالـ 8 % لهذا العام الذي يشهد تباطئاً اقتصادياً عالمياً كبيراً كما أنها من أقل دول المجموعة من حيث نسبة التضخم في وقت يرتفع فيه بدول متقدمة إلى مستويات لم يشهدوها منذ 40 عاماً, بالإضافة لما تتمتع به من وسادة مالية ضخمة من الاحتياطيات وكذلك دين عام منخفض قياساً بالناتج المحلي الذي سيسجل هذا العام حوالي تريليون دولار أمريكي كأعلى مستوى تاريخياً.
أما المحطة الثالثة لزيارات سموه فهي مملكة تايلاند والتي تكتسب أهمية كبيرة فهذه الدولة تعد من الاقتصادات الناشئة المتمكنة بالصناعة والسياحة والعمالة الماهرة ولديها شركات عملاقة وقد تم توقيع 5 اتفاقيات خلال هذه الزيارة فى مجالات الطاقة والسياحة والاستثمار، وقد حضر سموه قمة منتدى التعاون الاقتصادي في آسيا والمحيط الهادي المنعقدة في بانكوك عاصمة تايلاند والذي يضم 21 اقتصاداً مهماً تمثل حوالي 60 بالمائة من الناتج الإجمالي العالمي وبعدد سكان يقارب الـ 2،5 مليار نسمة إذ يشارك ولي العهد كضيف بدعوة خاصة لأول دولة بالشرق الأوسط تدعى لحضور قمة هذا المنتدى المهم وذلك نظراً لما تمثله المملكة من ثقل اقتصادي دولي وتأثير داعم لاستقرار الاقتصاد العالمي من خلال قيادتها لسياسات توازن واستقرار إمدادات الطاقة بالعالم من خلال العمل المشترك مع دول أوبك بلس, فحصيلة هذه الزيارات تنعكس على نمو الاقتصاد الوطني وفتح أسواق جديدة لمنتجات المملكة التنافسية مع العالم إضافة لجذب شركات واستثمارات مهمة للمساهمة بتنفيذ مشاريع عملاقة تتطلب طاقات متنوعة وتقنيات حديثة, فاستقطاب كبرى الشركات العالمية من مختلف الدول هو توسيع لقدرات المملكة بتنفيذ برامجها التنموية وتحقيق الأهداف الاستراتيجية والانتقال لاقتصاد متنوع في إنتاجيته ومصادر دخله وكذلك اختزال لمراحل بناء الخبرات خصوصاً في القطاعات التي تعد جديدة نسبياً بالاقتصاد الوطني فجذب شركات كبرى لتكون مقراتها الإقليمية بالمملكة وتلعب دوراً بتنفيذ مشاريع عملاقة سيؤدي بالضرورة لتسريع وتيرة معدلات النمو الاقتصادي المستدام.
تبني المملكة شراكات أعمق مع دول العالم وكذلك التكتلات الاقتصادية الإقليمية والدولية فسياسة إعادة تعريف المصالح وجهت العلاقات والشراكات مع العالم لمرحلة متقدمة مستندةً على تاريخ طويل للمملكة في التعاون الدولي لكننا ننتقل لمرحلة تحت مظلة رؤية واسعة المجالات والأهداف وكثيفة ببرامجها ومبادراتها وتتعزز قوة الاقتصاد الوطني من خلالها بإنشاء مشاريع عملاقة ستميز الاقتصاد السعودي عالمياً لعقود طويلة من حيث جاذبية الاستثمار والتطور النوعي بفرص العمل وتأهيل الكوادر الوطنية لكي تدخل المملكة عصر الاقتصاد الرقمي والتكنولوجيا الحديثة التي غيرت مسار الاقتصاد العالمي ومن لا يتماشى معها ويعزز تحالفاته مع شركاء متقدمين بهذه المجالات بالتأكيد سيخسر فرص نمو كبيرة بالمستقبل ولذلك أدركت المملكة أهمية هذا التوجه العالمي وتحركت لتكون من السباقين بالاستفادة من التغيرات التي تجري بسرعة بالاقتصاد العالمي.