د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
دائماً ما تؤكد بلادنا دورها الاستراتيجي في جميع القضايا المتعلقة باللغة العربية.
وتشجع بلادُنا المهتمين والمتخصصين لتمتين المحتوى المعرفي العربي وإثرائه ورفع مستوى الوعي بدور اللغة العربية وما تحتله من مكانة في مكونات الهوية الإسلامية.. ونحو تلك المستهدفات والإستراتيجيات العليا نحو العربية استُحدِثتْ جائزة مَجْمَع الملك سلمان العالمي للغة العربية وحملتْ مشاعلها إلى الجمهور المحلي والإقليمي والدولي أفراداً ومؤسسات؛ فأسهمتْ الجائزة التي جُمِع حصادها في مطلع شهر نوفمبر الجاري في حفل مهيب يليق بلغة القرآن الكريم، وأم اللغات وكوكب البيان استهدفتْ نشر الوعي اللغوي وإبراز ابداع المبادرات المجتمعية اللغوية وترقية مصفوفات الصواب اللغوي والتِقَانة اللغوية وتأطير البحث اللغوي وابتكار مسارات جديدة..
والجائزة في مجمل رؤيتها صواب اللغة ورضابُها؛ وانكشاف مخملي وثير لتعزيز دور اللغة العربية إقليمياً وعالمياً، وفي عموم الحدث ما يزيد الاستعمال اللغوي سداداً ويرفعه مُراداً، وجديرة بلادنا بحوافز العربية فهي لغة ما يقرب من أربعمائة مليون من العرب؛ ويتعبد بها أكثر من مليار مسلم؛ ونزل بها كتاب سماوي هو القرآن الكريم ووسعته لفظا وغاية! كما اتسعتْ اللغة العربية للتشريع الإسلامي أصوله وفروعه، وتحوي اللغة العربية معملاً ذاتياً من الخصوبة والمرونة والاشتقاق والتضاد والترادف والنحت والاستعارات والكنايات والمجازات والقياس وكثيراً من البوابات المرنة المنقادة بما يجعلها تتسع لكل جديد وتستقبل كل وافد في مجاليّ التعريب والترجمة؛ فهي لغة مدنية وحضارة حملتْ إلى العالم من تراث الإنسانية أجله وأكمله، وأحلتْ العرب الصدارة بين الأمم وكانوا معلمين ورواداً.
وكانت فكرة المَجْمَع مما توارد في مستراد ثقافتنا الحيّ منذ عهود، وما فتئت قيادتنا توليه اهتماماً؛ وتضخ فيه من الممكنات ما يُجلِّي حضوره..
وأجزم أن هناك تخطيطاً للمجمع وسيره ومسيره في مستقبل أيامه نحو الجائزة وفئاتها ونحو التشكيل المستقبلي لصناعة المحتوى العربي عبر منصات المَجْمَع،،، ونأمل أن يكون في ذلك ما يحقق الاهتمام بالمعطيات النصية الواردة في كلام العرب في عهود اللغويين القدماء مما سوف يثري المحتوى المعجمي العربي باستحداث كثير من المعاجم في كافة المجالات، وحبذا أن تتضمن استراتيجية المحتوى في المَجْمع تأسيساً على عالميته مشروعاً سعودياً يُبثُّ للعالم يتضمن ذخيرة لغوية على أن تعتبر بنك نصوص وليست بنك مفردات تمثل الاستعمال الحقيقي للغة العربية في السياقات المختلفة، وليست نصوصها من صنع المؤلفين في عهودنا الحاضرة؛ بل نصوص من اللغة الفصحى الحيّة المحررة والمنطوقة منذ قرون وعقود؛ وتخزّن تلك النصوص في الذاكرة الرقمية كحصيلة منتقاة من الاستعمال اللغوي العربي منذ 15 قرناً في أروع صوره؛ والحال الآن يلزمه الاهتمام باللغة الفصحى المشتركة بجمع المشترك من معجم الألفاظ العامية المعربة ذات الأصول العربية؛ وتأسيساً على عالمية المجمع فمن المؤمل وضع معجم للعامي الفصيح المشترك في الدول العربية حتى تتواشج العلاقات وتزدهر بلغة مشتركة، ومحلياً نحتاج لالتفاتة ذكية لإثراء المحتوى العربي السعودي الرقمي أمام أجيالنا على مقاعد الدراسة؛ وتصويب المنتج القرائي بوجدان محب ودود؛ والاهتمام بالتأليف الرصين في المقررات التدريسية، وعلى المستوى البيئي تطل علينا حزمة واسعة من الإعلام الجغرافية التي تنتشر على رقعة بلادنا الغالية فكم نحتاج إلى ضبط أسمائها وتوحيد اللغة المحكية حولها ونسعد والمجمع يُستحدثُ في بلادنا بأن يكون شريكاً للمجامع اللغوية العربية ومحفزاً لأدوارها في مجتمعاتها حيث كان روادنا الأوائل أعضاء فيها؛ وأن تتواشج منصاتنا الوطنية المنشأة للشأن اللغوي وخدمته مع المَجْمع لتمتين الجهود واتساق المرجعيات بما يحقق الأهداف العميقة وبما يتواكب مع نهضتنا وحضارتنا الحديثة لإيجاد المصطلحات والمسميات المناسبة لكل منتج حضاري سعودي حديث..
وفي العمق فسيكون مَجْمع الملك سلمان العالمي وجائزته بإذن الله استفاضة زمانية لواقع اللغة العربية المُلحّ الآن، واستفاضة مكانية حيث بلادنا قبلة المسلمين ومهبط الوحي الذي نزل بلسان عربي مبين، وبتوفيق الله ثم بالجهود الجلية والحراك المليء الذي تتبناه وزارة الثقافة والدعم السخي من قيادتنا الرشيدة سيكون المَجْمع باحثا أمينا في أعماق الواقع التعبيري الفكري للغة العربية.