حكم طاعة الزوج
ظاهرة تمرد الزوجات على أزواجهن في بعض المجتمعات، ظاهرة محرمة، ويجب التحذير منها، وتوضيح مدى ما جاءت به الشريعة الإسلامية من حفظ حق الزوج، وعدم خروج الزوجة إلا بإذنه والالتزام بطاعته بالمعروف وفي غير ما حرم الله تعالى، وقد وَرَد في الأمر بطاعته والتَّحذير من مُخالَفته والوعيد عليها - ما لم يَرِد في حقِّ غيره:
1 - قال جل وعلا: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا}.
والتفضيل بين الرجال والنساء، في العقل والتفكير والجسم والشجاعة وكل شيء، جميع الخصال والأخلاق نجد أن الرجال مفضلون على النساء، وهذا التفضيل باعتبار الجنس، أي جنس الرجال أفضل مع أن بعض النساء أفضل من كثير من الرجال، وهم أفضل أيضاً لكونهم أهل النفقة من حيث الأصل، ولا يعني عدم وجوب النفقة على المرأة في بعض الأحوال، وفي قضايا معينة، فإن قضايا الأعيان لا عموم لها.
(الصالحات) ضد الفاسدات وهي التي قامت بحق الله وحق زوجها، هذه صالحة، وقوله: {قَانِتَاتٌ}. أي مديمات للصلاح، لأن القنوت يراد به الدوام وهو المراد هنا، ويحتمل أن المراد بالقانتات هنا المطيعات لله، ويكون من باب التوكيد (الصالحات قانتات) أي المطيعات لله وبطاعتهن لله يكن طائعات لأزواجهن.
2 - روى ابن حبان عن أبي هريرة قال: قال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: "إذا صلَّت المرأةُ خمسَها، وصامت شهرها، وحَصَّنت فرجَها، وأطاعت زَوجها، قيل لها: ادخُلي الجنَّة من أيِّ أبواب الجنَّة شئت" (صحَّحه الألباني).
3 - روى ابن ماجه عن عبد الله بن أُبَيٍّ قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "لو كنت آمرًا أحدًا أن يَسجُد لغير الله لأمَرتُ المرأة أن تَسجُد لزوجها، والذي نفسُ محمد بيده لا تُؤدِّي المرأة حقَّ ربِّها حتى تُؤدِّيَ حقَّ زوجها، ولو سألها نفسها وهي على قَتَب لم تَمنَعه"(والحديث صحَّحه الألباني)، والقَتَب: رَحْل صغير يُوضَع على البعير.
4 - روى أحمد والحاكم عن الحُصين بن مِحصن: "أن عمَّةً له أَتَت النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في حاجة، ففَرَغت من حاجتها، فقال لها النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: "أذاتُ زوج أنتِ؟" قالت: "نعم"، قال: "كيف أنتِ له؟" قالت: "ما آلُوه -أي: لا أُقصِّر في حقِّه- إلَّا ما عَجَزتُ عنه"، قال: "فانظُري أين أنتِ منه؛ فإنَّما هو جنَّتُك ونارُك".
5 - وأجمع الأئمة على عدم جواز خروج المرأة من بيت زوجها إلا بإذنه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - "فليس لها أن تَخرُج من منزله إلا بإذنه، سواء أَمَرَها أبوها أو أمُّها أو غيرُ أبويها، باتِّفاق الأئمَّة".
قال ابن قُدَامة في "المغني": "وللزَّوج مَنعُها من الخروج من منزله، إلَّا ما لها منه بُدٌّ، سواء أرادت زيارة والِدَيها، أو عيادتهما، أو حضورَ جنازة أحدهما، قال أحمد -في امرأةٍ لها زوج وأمٌّ مريضة-: "طاعةُ زوجها أوجب عليها من أُمِّها، إلَّا أن يَأذَن لها"". انتهى. قال في "الإنصاف": "لا يَلزَمُها طاعة أبويها في فِراق زوجها، ولا زيارةٍ ونحوها، بل طاعة زوجها أحقُّ"، وقال ابن حجر الهيتمي في "الفتاوى الفقهيَّة الكبرى" -بعد ذِكر الأحوال الضَّروريَّة التي يَجوز للمرأة الخروج فيها دون إذن زَوجها-:"لا لعيادة مَريض وإن كان أباها، ولا لموته وشهود جنازته. قاله الحموي". انتهى. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "الفتاوى": "المرأة إذا تَزوَّجت، كان زَوجُها أملك بها من أبويها، وطاعةُ زوجها عليها أَوجَبُ". انتهى.
** **
د. محمد بن سعد الهليل العصيمي - كلية الشريعة - جامعة أم القرى