د.رفعة بنت موافق الدوسري
ظلت المجتمعات في بحث دائم عن إستراتيجية رديفة، تعينها على توجيه المواجهات الفكرية والمادية، دون الخوض المادي الواقعي، لا سيما في ظل الصراعات الدائمة التي شهدتها الجماعات البشرية على مر العصور.
فاهتدى الإنسان إلى استثمار مكتسبات التطور الحديثة في توجيه سلوك المجتمعات بطريقة تلقائية، فسن قوانين مستحدثة، للتعاطي مع القضايا الفكرية والدينية والسياسية في الحقول والفضاءات العمومية.
- وقد شاع استثمار الصحافة مؤخراً -بعد أن أصبحت من أدوات التوجيه الفاعلة- إستراتيجية لتعميم القيم وتوجيه السلوك، عبر إشهار قيم النخبة وأدواتهم، وزج المجتمعات للنظر في الاستجابات المواتية وتقييمها.
- فلم تكتف الصحافة -ضمن هذا الإطار- بالإبلاغ عن الوقائع، بل منحت المجتمعات حق تقييمها، والتمييز بين الحقائق والمواقف المعلنة والإستراتيجيات والأهداف الحقيقية.
- فهي تطرح القضايا وتعبر عنها بوصفها سلطة رابعة للمجتمع، مع خلق شعور بالهوية الوطنية، والتأكيد على نجاعة التمسك بنسق القيم، لا سيما في معارض الأزمات الإستراتيجية السياسية.
- والصحافة وفق هذا التصور لا تسهم في توجيه سلوك الجماعات الإنسانية فحسب، بل تمثل خطاباً معارضاً لخطاب الكراهية والعنف والطائفية، الذي شاع توظيفه في وسائل الإعلام على مستويات مختلفة، وأسهم في التصعيد والتشجيع على العنف في وقائع متعددة.
- ويعد استخدام قيم النخب الحزبية التي تبثها وسائل الاتصال التقليدية الموجهة سبباً في إشعال الصراع السياسي، من خلال إثارة قيم المجتمعات الفكرية والعرقية والدينية، في إطار ما يسمى بصحافة الصراع أو العنف.
- فإذا نظرنا لما حدث في كثير من «البلدان التي شهدت تقلبات، تبعها تغيرات سياسية واجتماعية واقتصادية، نلاحظ أن هناك ضبابية في علاقة وسائل الإعلام بهذه التحولات؛ فهذه البلدان تشهد بيئة إعلامية غير مستقرة، وتنقصها المهنية والأطر النظرية التي تحكم أساليب الممارسة، فليس هناك معايير يمكن من خلالها تقويم أسلوب معالجة وسائل الإعلام في هذه الدول لقضية الصراع السياسي، وأضحت الكثير من المضامين الإعلامية تقدم خطاباً يؤثر سلباً على التماسك القيمي، ويغلب عليه بث روح الفرقة والكراهية، والعمل من خلال المعادلة الصفرية: إما أن تكسب كل شيء أو تخسر كل شيء، لذلك تركز النخب الفاعلة على أهمية الصحافة في حل الصراعات.