عبد الله سليمان الطليان
نواصل هنا قطف بعض ما ذكره الأديب والفيلسوف جون باينس في كتابه (أسس التعامل والأخلاق للقرن الحادي والعشرين)، حيث يقول: إن عدم اهتمام المرء بتحسين نفسه، ورضاء عن نقصه القائم، ربما كانا من أكثر الخطايا التي يرتكبها فظاعة، بقدر ما يشكلان إهانة غير مباشرة للخالق وللآخر، فهي إهانة للإله لأن المرء وجد على الأرض لكي يتم سبيل الارتقاء، الذي يجب أن يحدث بالضرورة على المستوى الفردي، ويتهرَّب من هذا الواجب عندما يبقى حاملاً وجاهلاً إزاء هذه الفرصة للكمال وهي إهانة للآخر لأنها ترميه دائماً بنقصنا وإهمالنا، ونهاجمه بما لا يطاق من لا مسؤوليتنا، ولا وعينا، ونفاقنا، وحسدنا، وعنفنا، وعدم مراعاتنا، ورفضنا لمساعدته عند حاجته إليها؛ وأيضاً، مضايقته في مناسبات لا حصر لها، عن طريق قطع الاتصال معه؛ وعدم تسامحنا وإجباره على تحمل افتقارنا للصفة الإنسانية.
يفتقر الشخص إلى الاحترام عندما لا يهتم بالانضباط الذاتي الذي يقوده إلى حالة من الكمال الأدبي والأخلاقي، فالواجب الأساسي للفرد هو تحقيق الهدف الذي وجد من أجله والذي هو الخير الأسمى الارتقاء العمودي صعوداً فإذا فشل في هذا، فإنه يخرق الوصية الأكثر أهمية للحياة، وهذا يماثل الانتحار التطوري.
وينبغي أن أذكر هنا أن العالم في حالة انحطاط بسبب ضآلة أو غياب اهتمام الفرد بالتدريب، وتحسين إمكانيته وتحقيقها، وعلى الرغم من ذلك، فإنه لمن المضحك أن الغطرسة الفكرية عند من يظنون أنهم كاملون أو مثاليون حالياً تشجع عندهم نزعة الازدراء واللا أهلية، لأنهم يستسلمون كلياً إلى تمجيد القيم الزائفة للمجتمع المادي التي تتوجه فقط إلى التسلية والاستهلاكية.
ومن لا يؤمن بالقيم العليا ولا يتقبلها فإنه يسقط شكوكيته على نفسه ليس غير، وهو إدراكه لتفاهته وبؤسه الشديد، إنما يضع حالته الخاصة كأساس لاجتهاد الآخرين. وما لم يفهم الفرد الحاجة الملحة لمباشرة العمل على تخليص نفسه من عزلة «اللا وجود وكربه، فإنه سوف يعيش دائماً يستحوذ عليه ألم وجودي لمعرفته بأنه فارغ وبلا هدف، دون أن تكون لديه القدرة على أن يتولى بنفسه زمام حياته الخاصة، وكونه تلقى هبة الحياة التي لا تقدر بثمن، فإنه يبدد وجوده في مطاردة السرابات والأوهام، ويبحث باستمرار في الخارج عمَّا يكمن فعلاً به أعماق كينونته، ويضيع فرصته الثمينة للنماء داخلياً نحو مستويات أعلى من الكمال الأخلاقي والروحي. أما وإن الأنانية المتغطرسة تتملكه، فإنه ينكر «أناء العلياء» وهي من أكثر الهبات التي قدمتها له الحياة رفعة، وبالتالي، يحرم العالم أيضاً من كل خير كان يمكن أن يقدمه للآخرين لو أنه عمل على إكمال نفسه، إنه لنفاق عظيم حقاً يمارسه كل من تلقوا هبة الشرارة المقدسة، ومع ذلك، نجدهم يهيمون عبر الحياة متشكين من أنهم بلا هدف أو معنى، ويحتجون بأنه ما من أحد يفهمهم وأن التسلية واللذة فقط هما هدف الحياة يكشف هذا عن احتقار هائل لأرواحهم، التي تذبل بانتظار استيقاظ الوعي الأعلى الذي يساعدهم على التظاهر من خلال الجسد المادي.
ومع أن هؤلاء الناس لا يدركون ذلك الوعي على نحو واضح، فإنهم يعانون من كرب روحي لا يصدق لكونهم منفصلين عن أنفسهم، وهكذا يضعفون حساسيتها بالملذات والمثيرات المادية، على أمل أن تعمل هذه الإجراءات على إخماد ما يخالجهم من إزعاج الوحدة واليأس الذي يغزو قلوبهم ويمنعهم من بلوغ السعادة والفائدة اللتين يطاردونهما يجشع، وهناك آخرون. ممن يفكرون بالهدف نفسه، يستلمون لنشاط مهني لا يتوقف، ويكافحون باستمرار لمضاعفة واستبدال السلع المادية التي يمتلكونها، على أمل تحقيق السعادة عن طريق هذه الموجودات، ولكن السعادة تفلت من قبضتهم لأنه، ما إن يظنوا أنهم حصلوا عليها، حتى يلفهم الإحباط والفراغ من جديد. وكما ذكرت سابقاً، فإن النجاح المادي الذي يحققه الناس يغطي فقط جانباً واحداً من حياتهم، في حين تبقى الجوانب الأخرى خاملة أو متخلفة بصورة كلية. ولا يمكنهم أيضاً أن يكتشفوا أي انسجام في الطبيعة، لأنهم موجودون فقط في العالم المادي للجنس البشري.
يكمن النجاح الكلي للفرد في عملية الارتفاع بالذات عبر السبيل الصاعد العمودي للارتقاء، ومن ثم التوافق مع تصميم الخالق ومتطلبات الطبيعة، وهذه هي أعظم مكافأة يمكن أن يتطلع إليها الكائن الإنساني، ومن يفشل في الحصول عليها، بدرجة مهما كانت بسيطة، فإنه يجب أن يعتبر نفسه فاشلاً في مدرسة الحياة، ويجب أن يضع نفسه في مراتب الفيالق المتشائمة التي فقدت إيمانها في كل شيء بما في ذلك إيمانها بنفسها.
لا يمكن للمرء أن يرتقي روحياً ما لم يعرف نفسه؛ ولا يمكنه أن يحقق ذلك بتجاهله لأخطائه، وعيوبه، ومواطن ضعفه أو رفضه القبول برذائله المعروفة والمستورة؛ أو دون تصليب شخصيته وتقوية إرادته هذا هو عمل العمر، لا مجرد تسلية أو هواية تعمل على تبديد الملل الوجودي.