د. عبدالحق عزوزي
أكد الرئيس الأمريكي بايدن في خطابه أمام المؤتمر السنوي للأمم المتحدة حول المناخ (كوب27) في منتجع شرم الشيخ المصري على البحر الأحمر، أن «الأزمة المناخية تتعلق بأمن البشر والأمن الاقتصادي والأمن القومي والحياة على الكوكب». وأشار الرئيس الأمريكي إلى إقرار بلده خطة استثمار بقيمة 369 ملياراً لجعل الاقتصاد الأمريكي أكثر مراعاة للبيئة؛ ولكن رغم هذا الكلام الجميل، فيصح لنا مع متتبعين عديدين انتقاد السياسة الأمريكية في هذا المجال لأنها تعتبر أكبر ملوث في العالم مع الصين، فاستناداً على معلومات في تقرير صدر عن موقع Union Concerned scientists، فإن أكثر الدول التي ينبعث منها غاز ثاني أكسيد الكربون هي على التوالي: الصين والولايات المتحدة والهند وروسيا واليابان وألمانيا وكوريا الجنوبية وإيران وإندونيسيا وكندا.
أما بالنسبة للدول الأكثر مساهمة في التغير المناخي على مستوى العقود الأخيرة، فهي: الولايات المتحدة (24.5 %) والصين (13.9 %) وروسيا (6.8 %) وألمانيا (5.4 %) والمملكة المتحدة (4.6 %) واليابان (3.9 %) والهند (2.3 %) وفرنسا (2 %) وكندا (1.8 %) وأوكرانيا (1.6 %) وبولندا (1.5 %)، ثم إيطاليا وجنوب إفريقيا والمكسيك (1.2 %)، فإيران (1.1 %).
والذي يدفع كثيراً ضريبة هذا التغير المناخي، هي الدول منخفضة الدخل والتي تعاني من أسوأ حالات الجفاف الشديد والفيضانات وارتفاع مستويات سطح البحر حتى لو كانت انبعاثاتها منخفضة، وتشعر البلدان في إفريقيا وآسيا وأمريكا الوسطى والجنوبية بآثار ارتفاع درجات الحرارة أكثر من معظمها؛ لذا نجد أن الدول الأكثر تضرراً في السنين الأخيرة هي على التوالي: موزمبيق (شرق إفريقيا) وزيمبابوي (جنوب إفريقيا) وجزر البهاما (المحيط الأطلسي/جنوب شرق الولايات المتحدة) واليابان، وملاوي (جنوب شرق إفريقيا) وأفغانستان وباكستان والهند وجنوب السودان، والنيجر، وبوليفيا (غرب أميركا الجنوبية) وتايلند ونيبال وميانمار وهاييتي والفلبين.
ونتذكر أنه في العاصمة الدنماركية كوبنهاجن، تعهدت الدول المتقدمة عام 2009 بتقديم تمويل قيمته 100 مليار دولار سنويًّا للدول النامية، من أجل التخفيف من آثار التغيرات المناخية، وحتى الآن، ما زلنا نسعى إلى الرقم ذاته، رغم تغيُّر خارطة العالم كليًّا عقب انتشار جائحة كوفيد-19، ولم يكن إلزام الدول الصناعية المتقدمة بالتمويل المناخي «مشاركة تطوعية» بسبب تفوقها التكنولوجي والاقتصادي في مقابل فقر الدول النامية فقط، بل جاء من منطلق العدالة في تحمُّل المسؤولية في المقام الأول كما أسلفنا، لذا نقول إن الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها تخلفت عن تنفيذ تعهداتها بمساعدة الدول النامية ماليًّا في عملية انتقالها في مجال الطاقة وتعزيز مقاومتها للكوارث الطبيعية التي يفاقمها الاحترار المناخي.
ولا عجب أن نرى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس خلال هاته القمة يدعو إلى ضرورة الضغط على الدول لتعزيز جهود مكافحة الاحتباس الحراري وخصوصًا الصين والولايات المتحدة الأكثر تلويثًا في العالم؛ وتكون البشرية أمام خيار العمل معًا أو «الانتحار الجماعي»...
فالعالم المناخي ليس بخير؛ وما سنتركه لأبنائنا لن يكون مصدر فخر لهم؛ وسيحمل جيلنا مسؤولية كبيرة أمام الله وأمام التاريخ لما يجري وسيجري في المستقبل القريب... فلا المؤتمرات الدولية ولا القمم ولا المنشورات العلمية ولا أنشطة المجتمع المدني العالمي ولا الصيحات المتكررة التي تقوم بها المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة، ولا التقارير المتتالية نجحت لحد الساعة في إيقاف التغيرات المناخية التي أضحت كارثية وسريعة أكثر من أي وقت مضى؛ ففي تقرير، يشير الخبراء إلى أن هاته التغييرات ستستمر في منحاها التصاعدي في المستقبل لتزيد من تأثيرها على حياة الإنسان عبر زيادة تواتر العديد من الظواهر الجوية والمناخية القاسية. زد على ذلك أن بعض الظوهر من قبيل ذوبان الجليد وارتفاع منسوب مياه المحيطات سيبقى غير قابل للحل إلى أبد الآبدين...
فدول العالم الأكثر تصنيعًا والمسؤولة بنسبة كبيرة عن التلوث في العالم، يجب عليها أن توفي بالتزاماتها خاصة في حق الدول النامية، انطلاقًا من منطلق العدالة في تحمُّل المسؤولية، لأن هاته الأخيرة تدفع فاتورة الاحتباس الحراري دون أن تكون مسؤولة عنها، كما يجب على الجميع القيام بتحولات جذرية في سياساتها من أجل التوجه نحو الحياد الكربوني قبل عام 2050... فهناك ستة مجالات ذات أولوية للعمل المناخي خلال مرحلة التعافي من جائحة كوفيد-19، بما في ذلك، الاستثمار في الوظائف اللائقة؛ وعدم إنقاذ الشركات الملوِّثة؛ والتخلي عن دعم الوقود الأحفوري؛ وإنهاء الاستثمار في الشركات التي تعمل بالفحم والتخلي عن إنشائها؛ ومراعاة المخاطر والفرص المتعلقة بالمناخ في جميع القرارات المالية والسياساتية؛ وتنمية التعاون الدولي؛ وضمان انتقال عادل لا يترك أيّ أحد خلف الركب.