سهوب بغدادي
انتشر مصطلح على مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرًا تحت عنوان الاستقالة الصامتة أو ما يعرف بـ (Quiet Quitting)، ولا يقصد بها الاستقالة التقليدية أو ترك العمل، إنما المقصود منها هو أنّ الموظف يتوقف عن فكرة العمل بجهد أكثر من اللازم والتضحية في العمل لإبهار مديره أو شركته، والاقتصار على أداء المهام المحددة في الوصف الوظيفي دون زيادة أو إبداع أو مبادرة، ومغادرة المكان فور انتهاء ساعات الدوام الرسمي، قد يكون يبدو الموظف مثالياً لأنه يؤدي عمله ولا يتملص من الحضور، وأستذكر نصًا للراحل الدكتور غازي القصيبي -رحمه الله- عندما قال «لم أكن في أي فترة من حياتي الدراسية طالباً مثالياً يعكف على الدراسة آناء الليل وأطراف النهار، كنت أبذل الجهد المطلوب، لا أكثر ولا أقل», واستطرد في حديثه في كتابه ليشمل ذلك اللعب «الشطرنج»، قد تكون إستراتيجية لتوفير الجهد والطاقة وتقنينها ثم بثها نحو ما يستوجب صرفها عليه، ولكن عندما نميز هذه الدورة لدى الموظف نعلم أن لديه خللاً يستلزم التدخل، ويجب أن يقوم بتشخيصه شخص على مقربة منه خلال فترات عمله السابقة، فإن كان الأداء العام لا يختلف عن السابق بفارق كبير فذلك أمر طبيعي، إذ تعترض الإنسان ظروف وتقلبات في نواحٍ عديدة، إلا أن الفجوة الكبيرة بين أدائه السابق والحالي هي الفيصل في السياق، إن المصطلح كاستقالة صامتة لا يهم كثيراً فكان يطلق عليه قبل فترة الاحتراق الوظيفي وكلاهما وجهان لعملة واحدة، بعض الأحيان يكون الحل بالانتظار وجعل الزمان والوقت يداوي آثار العمل، وفي أحيان أخرى يحتاج الموظف إلى أن «يفصل من العمل»، بمعنى إجازة، ليشحن طاقته ويجدد ملامح يومه، أو بحل المشاكل الأخرى الحياتية، كمن أخذ قرضًا حديثًا ولم يستطع موازنة أموره المادية، أو المشاكل الأسرية من طلاق ونزاع أو عارض صحي -لا قدر الله. دائما تتردد على مسامعنا أنه يجب علينا أن نفصل بين العمل والمنزل وألا نتمادى ونتعمق في علاقات الزمالة، ولكنني أرى خلاف ذلك باعتبار أنني أقضي جل يومي في العمل باستثناء ساعتين أو ما يزيد عليها بقليل في البيت والبقية في النوم، فجودة العلاقات في مكان العمل -بنظري- أهم من الوصف الوظيفي أحياناً، وتواجدك تحت مظلة قائد لا مدير أمر لازم للصحة النفسية والجسدية على حد سواء، على سبيل المثال مررت بفترة احتراق أو استقالة صامتة أو شبه معلنة من ثم قام القائد أبو يوسف بتخصيص دقائق كل يم للاجتماع والحديث حول مواضيع مختلفة من اهتمام الموظفين، كانت هذه المبادرة كفيلة بأن تجدد روتين يوم العمل، كما لفتني حديث أحد الزملاء خلال هذه اللقاءات عن حلول مقترحة للتغلب على الاحتراق الوظيفي فقال من جملة الحلول «حاول الرجوع إلى هواياتك وقم بأنشطة خارج ساعات العمل»، فما قاله أضاء في مخيلتي العديد من الأفكار التي قمت بها فعلاً كما ذكرت في مقال سابق أنني قمت بدخول تجارب أداء، وسبقتها ببرنامج المسرح الموسيقي من وزارة الثقافة. الإشكالية تكمن في بعض الأحيان في تعلقنا بهويتنا المرتبطة بالعمل، فنستمد منه المخزون الإيجابي عن حب الذات وتقديرها، كما نستقي التقدير من الوظيفة، ونعمل على قياس تطورنا فيها بالآخرين، فمن مكث زمناً طويلاً في مكانه يعد غير كفؤ - ليس صحيحاً - فكل منا له خارطة طريقه المهيئة على توقيته وزمانه، كما هو الحال مع الزواج والإنجاب والدراسة وما إلى ذلك من مواطن الحياة، فقط توقف قليلاً وتنفس ثم انظر حولك فستجد الجمال في عدم الكمال، كونوا بخير وسلام.