أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
الظاهرة التي لا يكابر فيها اثنان أن من يكتبون اليوم عن حداثيات دلالة النص مثقفون ليسوا ذوي علم مادي تخصصي، ولا مجال لهم في التشكيك في العلم؛ لأن العلم لا اختلاف فيه بما أنه حِسٌّ مكرر (تجربة)، ولأنهم لا يعرفون كل قوانين العلم نظرية وتطبيقاً، ولأن اعتراض المثقف على منجزات العلم الذي سبح في الأعماق وغاص في البحار مرفوض جماهيرياً، ومحل سخرية.. وبما أن التقدمية حقيقةٌ في قيم الخير سلوكاً وجمالاً، والتزام قيم الحق فكراً، وممارسة ثمرات العقل والحس مهارات بالابتكارات العلمية، وإنتاج المبتكر.. وبما أنهم حريصون على صفة التقدمية : فقد هربوا من القطعي إلى ما فيه احتمال من النظريات: إما لقصورعلم بسبب قوى التضليل، وإما لبواعث تضليل يستبطنونها، وإما لأجل الشهرة والشعبية بغض النظر عن العواقب.
ومما طُرح لطرق الدلالة الحداثية الطريقة الميكانيكية اللسانية، والقراءة الإبداعية الافترائية عند رولاث بارث، والقراءة عند فوكو الذي يقزِّم الدلالة في التفكير اللغوي.. والدلالةُ لغةٌ مباشِرة، واصطلاح، ورمز، ولغة تلقائية، ولغة تفكيرية حسب السياق والقرائن، وبلاغة.. وقراءة كلود ليفي ستراوش، والقراآات الباطنية التأويلية الافترائية التي لا ترجع إلى المعهود التاريخي الدلالي للغة بين المرسل والمتلقي.. والقراءة السيميائية التي تفسر النص التاريخي بالرمز الإداري الحادث، وقراءة الغياب عند أمثال امبراطوايكو أو الإنتاجية عند جولين كريستينة ومايكل ريفاتير.. ولم يتبلور هذا المذهب بعد، وكل هذه المذاهب الحداثية تصب في مصب واحد هو استهداف النص الشرعي المقدس، والحكم بأن كل قراءة له قراءة مقاربة!!.. كأن لغات البشر خالية من دلالات قاطعة.. وتستهدف تغييب المراد الشرعي بدلالات جديدة لا يقرها العرف التاريخي، والقانون المعهود لدى المتلقي الذي نزل النص بقانون لغته مشروطاً بها.
قال أبو عبدالرحمن: لا تحتمل هذه المقالة طول السجال، وإنما أقول للحداثيين - بالمفهوم الحداثي الذي شرحته أول مقالتي هذه - وبالأخص من بلادي السعودية : تلاعبوا بالنصوص البشرية كما شئتم، وسموها قراءات معاصرة؛ فأنتم عابثون، وخياليون!!.. ولكن اتقوا الله في دينكم عن مزالق الكفر، وسوء الخاتمة؛ بتفسير النص الشرعي بأكاذيب وافتراء الدلالات الحداثية، وابحثوا بخبراتكم الحداثية مصادر هذه الطروحات، وهوية من طرحها.
قال أبو عبدالرحمن عن نصيب المبدعين: إذا ذكرني المفلسون من الشباب قالوا: إنه تراثي جاحد غير مبدع! واذا ذكرني ذوو التراث الصرف قالوا: إن في معارفه رخاوة! وإذا ذكرني الإداريون الذين قبرهم الروتين قالوا: ليته يكتب شيئاً يفهم نعرفه دون خلفية ثقافية! وهؤلاء يريدون علماً بدون تعب، ودون هذه الأمنية خرط القتاد! والمدعون الإنصاف يقولون: ان فقد أسلوب هذا الظاهري جمال البلاغة لم يفقد جلال اللغة! ومشايخي وزملائي الذين جثوا معي على الركب لا يذكرون إلا هذلي ولا يكادون سامحهم الله يذكرون أعاجيبي التي تبارك العمر وتزكيه!.
وكل ما ذكرته هو الظلم العبقري والبهتان الجلي!».. وإلى لقاءٍ قريب إنْ شاءَ الله تعالى، والله المستعان.
** **
كتبه لكم/ (محمد بن عمر بن عبدالرحمن العقيل) - عفا الله عَنِّي، وعنهم، وعن جميع إخواني المسلمين -