أحمد الدليان
يتحرك الإنسان في حياته، من خلال أفكاره، التي تسكن بين ثنايا عقله الواعي والباطن, فالأفكار هي من تصنع الأفعال، فلا يمكن الاستهانه بالأفكار، لما لها من سلطان على العقول وتأثير كبير على المتلقي، فيجب فحص وتمييز محتوى وأهداف هذه الأفكار، كما وصفها هاينرش هاينه (Heinrich Heine): «إنَّ الأفكارَ الفلسفيَّة التي يطرحها أستاذٌ من مكتبهِ الهادئ قادرة على إبادةِ حضارةٍ بكامِلِها».
لذا فإن الأفكار قد تكتسب قوة كاسحة، لا يمكن مقاومتها أو كبحها، لتأثيرها على عدد هائل من البشر، لذا يجب أن نهتم بالأفكار، وأن نقوم بتمحيصها وفحصها ونقدها قبل كل شيء، لما لها من تأثير على حياتنا بشكل مباشر وغير مباشر، ومعرفة آثارها الإيجابية والسلبية، حتى لا نقع ضحية لهذه الأفكار، التي قد تؤثر على حياتنا الفكرية والنفسية والدينية والاجتماعية، فالأفكار تعمل على تغيير قناعات الإنسان وتصنع له تصورات غير واقعية أو منطقية في بعض الأحيان.
حيث تدور من حولنا أفكارٌ كثيرة تتسرب، وتجري كسيلٍ منهمر، فتصب في عقولنا، ونتلقاها بأشكالٍ مختلفة ومتنوعةٍ، ولهذا فنحن بحاجة في كُلِّ لحظة لتمييز هذه الأفكار، في أن تكون نقية أو ملوثة، أو أنها حقيقية أو مضللة، لنعرف فوائدها وأضرارها، ومن هنا تأتي أهميَّة الوعي بتلك الأفكار، وأهميَّة نقدها وفحصها قبل أن تتسلَّلَ إلى عقولنا، فتولد مشاعر سلبيَّة أو إيجابية، مما يُنْتِجُ عن ذلك أفعال، وفي النهاية نكون، رهينة لأفكارنا. يقول الفيلسوف الصيني لاوتسي (Lao-Tze): «راقب أفكارك، فإنَّها تصبح كلمات، راقب كلماتك، فإنَّها تصبح أفعالاً، راقب أفعالك؛ فإنَّها تصبح عادات، راقب عاداتك، فإنَّها تصبح طبيعةً، راقب طبيعتك، فإنَّها تصنع مصيرك».
ففي مراحل التطور الاجتماعي السريع, نجد حدوث تفاعل فكري, ينشأ عنه أفكار جديدة, وتتوارى أفكار أخرى, فنحن بحاجة إلى الشعور بأهمية هذه الحركة الفكرية, والنظرة النقدية, خاصة مع تسارع وتيرة حركة الأحداث في العالم, وفي المنطقة من حولنا، وتطرح هذه التطورات تحديات فكرية عميقة في كافة مناحي الحياة، حيث إن هناك تحولات عميقة في بنية المجتمع, والعالم من حولنا, ينتج عنها تحولات سياسية, وتكنولوجية, واقتصادية, تتطلب تحولات في الفكر, والثقافة, وفي أنماط التفكير, والتحليل. وبدون ذلك, فسوف نظل في حالة جمود في ظل واقع متغير وسريع, ويفاجئنا بين الحين والآخر.
فعالم الفكر والأفكار لا يسير وفق قواعد مُطردة، فالتغيير الذي تملكه الأفكار يخضع لاعتباراتٍ كثيرة منها؛ طبيعة الشخص نفسه، والحالة العقليَّة والنفسيَّة والاجتماعيَّة لذلك الشخص، وسياق الزمان، والمكان، وزخم الإثارة المصاحبة للأفكارِ نفسها، ووسائل عرض تلك الأفكار، إلى غير تلك العوامل والظروف المختلفة والمتنوعة.