سارا القرني
بين مبادرات للتحفيز وعقوباتٍ للردع.. تنطلق المملكة بخطى ثابتة نحو محاربة التصحّر وزحف الرمال وقلة الغطاء النباتي في أجزاء كبيرة منها، منها مبادرة الشرق الأوسط والسعودية الخضراء، وبرنامج الاستمطار الصناعي الذي آتى أكله كما لمسنا على أرض الواقع، والأهم في نظري هو هذه المحميات التي جاءت لحماية ما تبقى من مظاهر البيئة والحياة الفطرية في بلدنا الحبيبة.
إنّ جرف التربة ونقل الرمال والاحتطاب الجائر من أسوأ المظاهر التي تضرّ بالبيئة، ولعلّ الكثيرين يفهمون مدى أهمية منع الاحتطاب الجائر.. لكنهم لا يدركون أبعاد الضرر الناجم عن جرف التربة ونقل الرمال، وإنّ في ذلك من المخاطر الجسيمة التي لا يمكن أن تخطر على بال، كالإخلال بالتوازن البيئي وتغيير مجرى السيول التي يمكن أن تُغرق القرى أو أجزاء من المدن، وفيه من المخاطرة ما فيه، لكنه يخفى على مَن يظنّ أنّ نقل القليل لا يمكن أن يُحدث فرقاً، وهي من الأمور التراكمية التي تُحدث الفرق شيئاً فشيئاً حتى تتضخم ويستحيل معالجتها.
الرمال بطبيعتها مصائد طبيعية لمياه الأمطار، وتعمل عمل الفلتر «المصفّيات الطبيعية» في تنقية المياه حتى تصل بعذوبة إلى جوف الأرض، تمنع وصول الملوثاتِ إلى المياه الجوفية، وكذلك تحميها من التبخر.. لأنّ عدم وجود حاجز سميك بين المياه الجوفية وسطح الأرض.. يسمح بوصول الحرارة إليها وتقليل منسوبها بالتبخر.. أو تبددها شيئاً فشيئاً كأنْ لم تكن، عدا أنّ نقلها واستنزافها يعدّ سبباً رئيساً للقضاء على التنوع النباتي والحيواني.
وفي المقابل.. تواجه المملكة الاحتطاب الجائر بعقوبات يرى فيها الكثيرون مبالغةً وغلظة، بيدَ أنّ ما يفعلونه باحتطابهم هو المبالغة والغلظة في حقّ أنفسهم وغيرهم من سكان بلدنا العامر، فالغطاء النباتي هو الساتر الأول وخطّ الدفاع الرئيس ضدّ موجات الغبار التي ما سلمت منها كثير من مناطق المملكة، لذلك حرصت وزارة الداخلية بتوجيهات كريمة على تشديد العقوبات ضد المحتطبين، وبالرغم من ذلك.. إلا أننا ما زلنا نشاهد الإحصائيات الأسبوعية لمن تمّ ضبطها في مخالفة الاحتطاب وجرف التربة.. ولا حياة لمن تنادي.
بعض الغرامات وددت لو تضاعفت.. وبعضها تمنيت لو تُسنّ لها التشريعات لتكون عبر محكمةٍ مختصة فتصبح مغلّظةً أكثر، إذ لا يعدّ الاحتطاب الجائر مخالفةً قانونية للأنظمة المعمول بها في المملكة.. بل جريمةً في أغلب الدول باختلاف عقوباتها، فقد واجه الاتحاد الأوروبي دولة بولندا أمام محكمة الجرائم الدولية في قضيةٍ انتهت بحكم المحكمة ضدّ بولندا حين قامت بقطع أشجار غابة بياوفيجا.. التي اعتبرها الاتحاد الأوروبي محميةً أوروبية دولية لا تخصّ بولندا وحدها رغم أنها تقع في الأراضي البولندية.
وقد قرأت مرةً أنّ عقوبة الاحتطاب في أمريكا تصل إلى 500.000 دولار مع السجن 5 سنوات، وفي بعض دول أوروبا تتجاوز العقوبات المالية إلى حظر التجارة على المخالف والسجن، وأستراليا ليست بعيدة عن أمريكا.. فهي تشدد العقوبة على المحتطبين وقاطعي الأشجار بشكل لا يستهان به مالياً، وكذلك الحال في دول شرق آسيا المتطورة إذ تصل العقوبات على الأفراد سجناً مع الأعمال الشاقة، ويا ليت قومي يعلمون.
كنت أستمع لفنان العرب «محمد عبده» وهو يصدح بأغنيته الشهيرة «جمرة غضى»، وقلتُ في نفسي.. لو لم تتدخل الدولة للحدّ من كلّ هذه الجرائم البيئية، لوجدنا جيلاً لا يعرف عن الغضى إلا أنهُ «جمرة من خيال شاعر» في أغاني أبو نورة.