خالد بن حمد المالك
ضمن الجولة الرسمية لولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان لبعض دول آسيا يزور كوريا الجنوبية؛ تلبية لدعوة رسمية من دولة تربط المملكة بها علاقات ثنائية على مدى أكثر من ستين عاماً، شهدت خلالها هذه العلاقات تطوراً تصاعدياً أكد على متانتها، وحرص الجانبان على استمرارها، وأفرز هذا التوجه عن شراكات كثيرة خدمت البلدين وشعبيهما.
* *
هذه الدولة المهمة -كوريا- التي تقع في القطاع الشمالي الشرقي من القارة الآسيوية اهتمت كثيراً في بناء صداقات مع دول العالم، وركزت على سياسة الزيادة في تعاملاتها التجارية مع عدد من الدول، وبالتالي الاهتمام بالتصدير تماشياً مع تنامي الصناعات لديها، وخاصة في المجالات التكنولوجية، وذلك ضمن توجهها في تبني سياسة اقتصادية ذات صفة تنموية.
* *
وعلاقات المملكة بكوريا الجنوبية تعود إلى عام 1962م، حين تم افتتاح السفارة الكورية في مدينة جدة قبل انتقالها إلى الرياض ضمن بقية سفارات دول العالم، وتعد كوريا من أكبر الدول المستوردة للنفط السعودي، كما أن المملكة تستورد منها السيارات والأجهزة الكهربائية، وهناك عدد من الاتفاقيات التي تم إبرامها في المجالات الاقتصادية والاستثمارية بين البلدين.
* *
كان الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حين كان ولياً للعهد- أول قيادي سعودي بهذا المستوى يزور كوريا، وفي تلك الزيارة تم التأكيد في بيان مشترك على أهمية تطوير التبادل التجاري والاستثماري بين الدولتين، وقد عبر الجانب الكوري عن رغبته بزيادة حجم التعاون في مجالات المياه والكهرباء والمقاولات والعمالة وغيرها، وقد فتحت الزيارة المجال لزيارات متداولة بين عدد من المسؤولين في البلدين، وإجراء حوارات ومناقشات لتفعيل وتوسيع فرص التعاون بين الدولتين.
* *
ومن الزيارات التي قام به الجانب الكوري للمملكة زيارة رئيس الوزراء «لي هان دونغ» عام 2001م، وزيارة رئيس الوزراء «لي هاي شاي» عام 2005م، لكن من بين أهم الزيارات نسبة للنتائج زيارة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان إلى جمهورية كوريا، فقد لبى سموه دعوة رئيس الجمهورية «مون جي إن» لزيارة كوريا في 26-27 يونيو عام 2019م، وتم استقباله بالمطار من قبل رئيس الوزراء «لي ناك يون» بينما عقد رئيس البلاد مع سموه جلسة مباحثات ومناقشات عميقة حول مستقبل تطوير العلاقات الثنائية، إلى جانب القضايا الإقليمية والدولية، وتم الاتفاق على توسيع نطاق التعاون بين سيئول والرياض.
* *
في زيارة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء تلك، أكد الرئيس الكوري دعم حكومته لرؤية المملكة 2030، وأكد الجانبان على وجود اهتمام مشترك بينهما، ألا وهو تعزيز شراكات الرؤية السعودية عن طريق لجنة الرؤية السعودية الكورية 2030، كما اتفقا على تسريع وتيرة التعاون لتحقيق هذه الرؤية عن طريق إنشاء مكتب تحقيق الرؤية في كل من الرياض وسيئول، إلى جانب تنويع وتوسيع التعاون الثنائي في مجال الصناعات الجديدة التي تلبي احتياجات حقبة الثورة الصناعية الرابعة، والتعاون في مجالات الصناعات الحديثة المستقبلية كالسيارات الصديقة للبيئة، وصناعة الروبوتات وتقنية المعلومات والتواصل، وتقنية شبكة الجيل الخامس.
* *
في البيان المشترك عن زيارة سموه لكوريا اتفق الجانبان أيضاً على أهمية الاستخدام السلمي للطاقة النووية، والترحيب بمشاركة الشركات الكورية في مناقصة مشروع بناء أول محطة توليد طاقة نووية تجارية في المملكة، وفيما أشاد الرئيس الكوري باهتمام المملكة بالاستثمار في كوريا في مجالات الطاقة والتكرير والبتروكيماويات، ففي المقابل تحدث ولي العهد عن تزايد الاستثمارات والشركات الكورية المرتبطة بها في المملكة، وخاصة في المشاريع الكبرى لرؤية السعودية 2030م.
* *
يلاحظ أن المملكة وكوريا عضوان في مجموعة العشرين، ولهما اهتمام بتعزيز جودة الحياة، إلى جانب الاهتمام بالتنمية الاقتصادية، وبذلك فقد شملت الاتفاقيات التي تم إبرامها خلال زيارة محمد بن سلمان لكوريا على الرعاية الصحية، والخدمات الطبية، والخدمات الحكومية الإلكترونية، وبراءات الاختراع، والتأمين الصحي، ورعاية المؤسسات المالية وغيرها.
* *
وتعد المملكة الشريك التجاري الرابع لجمهورية كوريا، كما أن كوريا هي الشريك التجاري الخامس للمملكة، ويقدر عدد الشركات العاملة بالمملكة بأكثر من 100 شركة، وتزود المملكة كوريا بثلث احتياجاتها من النفط الخام، ويُنظم سنوياً اتحاد الغرف السعودية بالتعاون مع الغرفة التجارية الصناعية الكورية ملتقى الأعمال السعودي-الكوري.
* *
الرؤية السعودية الكورية 2030 تقوم على 3 محاور: محور التنمية الاقتصادية، والتطور الحكومي، والتنمية البشرية والمجتمعية، ويشمل محور التنمية الاقتصادية تطوير المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ومشروع الأبحاث والتطوير والاستثمارات، وتحول المدن، والاستدامة، أما محور التطوير الحكومي فيشمل الحكومة الرقمية، وتخصيص الخدمات والممتلكات الحكومية، والبنية التحتية، وفعالية الحكومة، والسياسات الحكومية، وبالنسبة لمحور التنمية البشرية والمجتمعية فإنه يضم تطوير القوى العاملة، وحماية المستهلك، والتحول الرقمي للقطاع الصحي.
* *
وضمن زيارات الرؤساء الكوريين للمملكة، فقد زارها الرئيس الكوري (تشي كيوها) عام 1980م وهي أول زيارة لرئيس كوري، وكانت بدعوة من الملك خالد بن عبدالعزيز، كما زارها الرئيس الكوري (مون جيه) عام 2022م بدعوة من الملك سلمان، وفي كلتا الزيارتين كانت المباحثات إيجابية، وتم الاتفاق على تعزيز العلاقات بين بلدينا، وفي زيارة الرئيس (مون جيه) عقد مباحثات مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وتم توقيع اتفاقيات تجارية واقتصادية في خمسة مجالات لتضاف إلى اتفاقيات سابقة كان قد تم إبرامها على مدى العقود الماضية.