م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1. أهم أثر تُحْدثه الثقافة المجتمعية في الإنسان أنها تُنَمِّط تفكيره، وبالتالي تسهم في تحديد اتجاهات أفكاره واهتماماته وسلوكياته.. والذي يشكل الثقافة المجتمعية هو العادات والتقاليد والأعراف والقيم والمعتقدات وظروف البيئة والأحداث المحيطة.. أما الذي يشكل ثقافة الفرد في ذلك المجتمع إضافة إلى التأثيرات الجماعية الآنفة الذكر فهو الفروقات الفردية من معرفة ومدارك واهتمامات والحالة العاطفية والتربية الفردية والمصالح.. كلها تؤثر في طريقة التفكير وأنماط السلوك وتنظيم الحياة التي يمارسها الفرد والمجتمع.
2. أما أهم مشكلة تُحْدِثها الثقافة المجتمعية في أفراد المجتمع فهي أنهم يتحركون ويتصرفون ويفكرون ويقررون وهم واثقون من أن مصدر كل ذلك هو ذواتهم، بينما الحقيقة هي أنه تمت برمجتهم من خلال الثقافة التي اكتسبوها منذ ولادتهم لحظة اتخاذهم ذلك القرار أو أدائهم لذلك السلوك.. فالحكم على الشيء فرع من تصوره، وهذا التصور قد اكتسبها الأفراد كما اكتسبوا اللغة والعادات اليومية.. وبالتالي فحكمهم الأولي على الأشياء والأحداث والأشخاص مبني على ما اكتسبوه وليس بناءً على ما تعلموه وفهموه.
3. تعدد المكونات التي تشكل الثقافة المجتمعية جعل من تحديد ماهية الثقافة المجتمعية ومعناها، وتعيين المكون الأهم في تشكيل الثقافة الذي يتحكم في سلوكيات أفراد المجتمع ويحرك عواطفه، ويدفع الأغلبية إلى التمسك به والدفاع عنه والمطالبة باستمراره، جعل من تحديد المعنى الدقيق للثقافة أمرًا مُخْتَلَفًا عليه، على أقل تعبير.. فإذا كان المجتمع هو الذي صنع ثقافته فما الذي جعل المجتمع ذاته يدافع وبضراوة عن تطويرها أو حتى تعديلها؟
4. ما الذي جعل الثقافة المجتمعية أمراً يصبح المس بها مساً بالثوابت؟ ذلك السؤال عن المعنى الدقيق للثقافة المجتمعية، ولماذا نستميت في الدفاع عنها رغم أننا نحن من أنشأها؟ نحتاج إلى إجابات مقنعة لنكون أكثر مرونة في التطور والنمو في مفاهيمنا الخاصة بالثقافة المجتمعية.. هل لأن العقل حينما يتم تسكين معلومة أو تصور فيه يصعب إزالته أو تعديله؟ بمعنى، هل المشكلة عقلية أم مشكلة تربية؟ في رأيي يكفي أن نقوم بتربية أبنائنا على أن عاداتنا وتقاليدنا وقيمنا ما هي سوى نتاج لظروفنا وواقعنا، وأنها قابلة للتعديل والتصحيح والتطوير مع تبدل الأحوال.
5. إذًا كيف يمكن تسهيل عملية تطوير ثقافة المجتمع؟ وهل يجب علينا التعامل معها بعلاج عقلي أم بمعاملة تربوية؟ في رأيي أن العلاج العقلي لا يتم إلا بحدوث أمر لا يُصد ولا يُرد فلا يصبح أمام العقل إلا الانصياع والاستجابة.. وانتظار هذا العلاج ربما يُحْدث مصيبة لا يبتغيها ولا يرتضيها أحد.. إذًا أمامنا المسار الثاني وهو التربية.. فمكونات الثقافة المجتمعية نحن الذين صنعناها، ولم نصنعها لأنها الأفضل بل لأنها الأنسب لظروفنا في ذلك الوقت.. أما وقد تغير الزمان فإننا يجب أن نطور من ثقافتنا ومفاهيمنا.. فلا ثابت في دنيانا سوى النفع العام للمجتمع.