أمين شحود
لو كان لي من الأمر شيء لألزمت سائقي الليموزين التزام الصمت والهدوء أثناء وجود الراكب إلا عند طلبه؛ لأن السائق عندما يتحدث مع الراكب فهو يحرمه من وقت يستطيع أن يتصفح فيه رسائل الواتس وينجز بعض أعماله؛ كما أن حديث السائقين لا يخلو من التذمر المتكرر، من الزحام وساهر وطيش الآخرين ونحو ذلك، وأذكر أنني جاريت أحد السائقين بالأخذ والرد في نفس تلك الأحاديث، ولعدم وجود لغة سليمة بيننا كانت عباراتنا مكسرة.. هو يحكي لي مزعجاتٍ ويتبعها بعبارة «والله مشكلة».. وأنا أرد عليه بمثل إحباطه وتشاؤمه مع تكرار «والله مشكلة»، فأي طاقة سلبية ناجمة عن حلطمة متبادلة بيننا؟!
ويزداد الأمر سوءاً عندما يتكلم السائق بهاتفه مع أقرانه «سواليف» مما يضطرك أن تؤجل مكالماتك خشية تداخل الأصوات، وبالتالي يأتيك ما يسمى بالصمرقع..
وهو مرض يصيب الإنسان وتنتج عنه حالة من الجنون، ويستخدم المصطلح أهل الحجاز كما في قولهم «جبتلي الصمرقع»، وغالباً يقولها الأب مجازاً لولده البليد أو الشقي، بسبب تصرفاته وطباعه السيئة..
في حياة كل منا هموم ومشكلات، وعندما لا ننتبه لصحتنا ونراكمها بالاستفزازات اليومية ولا نتخلص منها وإن بدا أنها بسيطة أو عابرة؛ فقد يكون أحدها بمثابة القشة التي تقصم ظهر البعير.
أذكر مرة أنني كنت واقفاً في طابور عند أحد المحلات، وكان أمامي رجل فجاءه شخص واستأذنه أن يدخل قبله فوافق وقال على الرحب السعة، فشكره وقال له هذا من طيب أخلاقك، فرد عليه الآخر بالثناء وظلا يتبادلان المجاملات دون أن يعيرني أحدهما أنا المنتظر الواقف خلفهما أي اعتبار حتى وصلا إلى «الكاشير» الذي بدوره أثنى على رقي أخلاقهما!
وتم تبادل السلامات والمصافحات والطبطبة على الأكتاف، ولم يبق إلا التقاط الصور التذكارية.. وأنا أكاد أتشقق من الغيظ لكني لم أنبس ببنت شفة.
قيل لحكيم:
ما أكثر ما يستفزك؟
قال: رجل يدق واتس آب ويبرر أنه وجدك متصلاً..
قيل: ثم ماذا؟
قال: شخص يريد أن يوقظك من النوم فينزع عنك لحافك الوثير أو يهزك بشدة وكأنه يصارعك.
قيل: ثم ماذا؟
قال: رجل يكثر الأسئلة على الحكماء.
قيل: فما نفعل إزاء استفزازات لنا من كل جانب؟
فقال: يا بني.. إن استفزك أحد فأكثر من التسبيح فإنه يريح قلبك ويطمئن فؤادك ويغسل روحك، وتعلم الحلم والصبر، فإن لم تستطع فاشتمه أو اصفعه، لكن إياك أن تكبت الاستفزاز في داخلك فإنه منبع الأمراض!
أكتب إليكم من داخل الليموزين الأخضر وقد تبقى لي على موعدي دقائق وما زال الطريق مزدحماً والسيارات تزحف كالسلحفاة، والسائق عبوس الوجه والروح - هداه الله - يتأفف بشدة ويبربر بلهجة غير مفهومة ويزمر بضرورة ودون ضرورة ويسير خطوات بسيارته ثم يضغط على الفرامل بقوة.. وأنا الآخر بدأت أفقد أعصابي وجاءني «الصمرقع».. والله مشكلة!