هو الشيخ الفقيه الجليل القاضي سليمان بن عبيد بن عبد الله بن عبيد بن رشيد بن رشود بن سُلْمِي «آل سُلْمِي» بن سليمان بن حميد بن حماد من الحميضات من بني العنبر من تميم.
كان جد الشيخ ببلدة قفار بالقرب من مدينة حائل، ثم نزح منها إلى البصر وأبو مغير ثم إلى البكيرية عام 1185هـ، واستقروا بها قرابة قرن ونصف القرن، ثم انتقل والد المترجَم وجده من البكيرية إلى البدائع في أوائل القرن الرابع عشر.
وكان المترجَم قد ولد في البكيرية قبل انتقالهم منها بست سنين عام 1327هـ، وقد حظي بتربيةٍ كريمة، ونشأةٍ مستقيمة، حيث كان والده على صلاحٍ ودين، وعُنِيَ بتربيته، فقرأ القرآن على يد الشيخ حمود التَّلاَّل وعمره ست سنوات، ثم انتقل مع والده إلى البدائع، ودرس في كُتَّابها مبادئ العلوم، ثم تتلمذ على الشيخ محمد بن علي الوهيبي، والشيخ محمد بن علي آل سلامة، ثم رحل إلى مدينة الرياض عام 1345هـ، ودرس بها على الشيخ محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ وقرأ عليه كتاب التوحيد، والشيخ محمد بن إبراهيم، والشيخ سعد بن عتيق، وفي أواخر عام 1346هـ عاد إلى البدائع، وواصل تعليمه على علماء القصيم ببريدة: الشيخ عبد الله بن محمد آل سليم، وأخوه الشيخ عمر بن محمد آل سَليم، والشيخ العبادي، ودرس عليهم مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وكذلك في الحديث والفقه، ولم يلبث حتى سافر إلى الرياض عام 1351هـ, ودرس على الشيخ محمد بن عبد اللطيف، والشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ، ولازم دروس سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، وقرأ عليه فتحصَّل له قدرٌ كبيرٌ من العلم والفقه، وأصبح من خواص طلاب الشيخ.
قال الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن قاسم عنه: «أحد تلاميذ الشيخ البارزين».
وفي عام 1358هـ رجع إلى البدائع مرةً أخرى، ثم رحل منها إلى بريدة عند شيخه عمر بن سليم وأخذ عنه، وكان هو بدوره يجلس للتدريس في علوم الشريعة واللغة، وأفاد منه طلابٌ كثيرون، وممن درس عليه أبناؤه:
عبد الله، ومحمد، وصالح، والشيخ إبراهيم الجروان، والشيخ عبد الرحمن الزكري، والشيخ صالح آل سلطان السحيباني وموسى الذييب وغيرهم.
أعماله:
كانت حياته رحمه الله حافلةً بالعطاء، وكان متعدد المواهب والقدرات، فأول عمل كُلِّف به هو القضاء في الزلفي، وكان ذلك في 24-4-1360هـ، ومنها تحوَّل إلى قضاء المجمعة، ثم كلِّف بالنظر في بعض القضايا في جازان، وفي 22-2-1372هـ تم تعيينه معاونًا لمدير المعارف العام بمكة (1)، في تحولٍ كبيرٍ من سلك القضاء إلى مجال الإدارة التعليمية، ولكن رجع به الحال إلى القضاء مرة أخرى فعُيِّن قاضيًا في الظهران بتاريخ 23-3-1373هـ، ثم أصبح رئيسًا لمحكمة الظهران في 1-1-1376 حتى تاريخ 5-2-1376، ثم عُيِّن عضوًا بدار الإفتاء بالرياض بتاريخ 12-3-1376، بعدها عُيِّن رئيساً للمحكمة الكبرى بالرياض في 25-10-1376، بدرجة رئيس للمحكمة الكبرى بالرياض، وبعدها عيِّن رئيسًا لمحكمة عنيزة في 1-7-1381هـ إلى 1-7-1383هـ، وفيها تم تعيينه رئيسًا لمحكمة مكة المكرمة في 1-7-1383هـ، وظلَّ فيها حتى تم تعيينه رئيسًا عامًّا لشؤون الحرمين عام 1400هـ, وخدم فيها بإخلاص إلى أن تقاعد في عام 1409هـ.
وكان إلى جانب أعماله هذه عضوًا في مجلس هيئة كبار العلماء منذ تأسيس المجلس، وعضوًا في مجلس القضاء إبَّان ترؤسه لمحاكم مكة المكرمة، وبعد تقاعده من رئاسة الحرمين الشريفين تم تعيينه مستشارًا بالديوان الملكي.
وكان يعقد مجلسًا للإفتاء في مواسم الحج في مقر خاص به استمر فيه خمسة عشر عامًا يستقبل الحجاج ويجيب على أسئلتهم، وأول حجة حججتها كانت بمعيته رحمه الله وأجزل له المثوبة.
وكلُّ هذه المناصب التي تقلَّدها، والأعمال التي شغلها تدلُّ على مكانته الكبيرة، وثقة ولاة الأمر فيه، وقوة شخصيته العلمية والإدارية، وانضباط سلوكه، وقد جاء ذكره في فتاوى ورسائل ابن إبراهيم (3015)، (4078)، ووجدتُ له فتاوى ووثائق بخط يده..
وقد كان الشيخ موضع تقدير من ملوك المملكة العربية السعودية من عهد الملك عبدالعزيز إلى وفاته رحمه الله.
مؤلفاته:
كان الشيخ منشغلًا عن التأليف بسبب أعماله القضائية والإدارية في القضاء وغيره، ومع ذلك صنف بعض الرسائل منها: شرح قصيدة «غرامي صحيح» في مصطلح الحديث، وسماه «تحفة النصيح بشرح غرامي صحيح».
ثناء العلماء عليه:
وقد أثنى عليه العلماء وطلبة العلم، وأشاد به أهل الصلاح والتقى، وقد نعاه صاحب السمو الملكي الأمير ماجد بن عبد العزيز -أمير مكة المكرمة سابقًا- بقوله: «إن الشيخ ابن عبيد -يرحمه الله- كان مثالًا للمواطن الصالح الذي وهب نفسه، وقضى حياته لخدمة دينه ووطنه، وإن الوطن فقد أحد أبنائه الأبرار الذين قدَّموا خدماتٍ جليلةً لخدمة دينهم ثم ملكهم ووطنهم من خلال المهام والمسؤوليات التي أوكلت إليه طيلة فترة حياته العلمية».
أمَّا الشيخ الفقيه عبد الله بن عبد الرحمن البسَّام -رئيس محكمة التمييز بالمنطقة الغربية سابقًا- فقد وصفه بأنه «من خيرة علماء المسلمين، وأنه من أسرةٍ كريمة، وأنه كان من خيرة القضاة، وعرف عنه حسن الخلق وطيب معاملته, يتودَّدُ إلى القريب والبعيد، ويساعد بماله وجاهه وعمله فهو من الفضلاء الكرماء».
ومن جهته رثاه سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ مفتى الديار السعودية فقال: «كان رجلًا عالمًا من العلماء المعروفين، وبجانب ذلك كانت للفقيد أخلاقٌ طيبة، وسيرةٌ محمودة»، في حين اعتبره إمام وخطيب المسجد الحرام سابقًا فضيلة الشيخ محمد بن عبد الله السبيِّل: إمامًا عالمًا ومربيًا فاضلًا، وقال: «كان شيخنا يفتح بابه للمحتاجين والسائلين», وبدوره قال عنه عضو هيئة كبار العلماء والمستشار بالديوان الملكي فضيلة الشيخ عبد الله بن منيع: «إنه من الطليعة الفاضلة من قضاتنا، وهو لم تسند إليه مهمة القضاء إلا لأنه رجلٌ متميزٌ في العلم والفقه في الدين، فهو عمل في هذا المجال لمدةٍ طويلةٍ تجاوزت الأربعين عامًا كانت حافلة بالعطاء والجد».
وفاته:
توفي رحمه الله صباح الثلاثاء الموافق الثاني عشر من شهر جمادى الأولى من عام 1416هـ في مستشفى الهدا بالطائف، بعد أن أقعده المرض، وهو لا يزال صابرًا، وصُلِّي عليه بعد المغرب في المسجد الحرام، ثم وُوري الثرى في مقبرة العدل بمكة المكرمة، وقد صليت عليه.
وله أبناء منهم: الشيخ عبد الله كان نائب الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام، والأستاذ محمد، والأستاذ الدكتور علي وكيل الرئيس العام لشؤون المسجد النبوي، ود. عبيد، د. أحمد، وعبدالعزيز، وخالد، وصالح، وسعود، وإبراهيم، وسلطان، وله بنات صالحات، ومن ذرية المترجم له حفيده: معالي سليمان بن عبدالعزيز.
وممن له اتصال بالمترجَم: معالي د. عبدالله بن صالح العبيد وزير التعليم سابقًا، وفضيلة الشيخ عبدالله بن محمد العبيد قاضي التمييز ورئيس محاكم الباحة سابقًا.
ومن أسرة المترجم له: آل فراج وآل حمد السُّلْمِي في قفار وآل سليمان، وقد كان لهم جهود كبيرة في قتال الترك سنة 1234هـ، وفريح بن محمد بن فريح آل سُلْمِي شارك في معركة البكيرية وقتل فيها (ت 1322)، والباشا محمد البراك العصيمي آل سُلْمِي المتوفى في دمشق (ت 1360هـ) وكان له جهود أيام توحيد المملكة في توريد السلاح للملك عبدالعزيز (2)، والشيخ المحدث عبدالمحسن بن محمد الفريح آل سُلْمِي (ت 1379هـ)، وهو ممن انتدب إلى الدعوة إلى الله وتوطين البادية أيام توحيد المملكة، والفريق صالح بن محمد المحمود آل سُلْمِي ( ت 1415هـ)، وغيرهم.
هوامش:
* مقابلة مع الشيخ في بيته بالعزيزية، علماء البكيرية ص 179، وتنظر ترجمته في: علماء نجد 2-358, وروضة الناظرين 3-45، والحنابلة خلال ثلاثة عشر قرنًا 12-87، ونسب آل سُلْمِي ص65، وعلماء وأعيان آل سُلْمِي ص 60، جريدة البلاد عدد 330 سنة 1379، جريدة عكاظ 3-4-1416، ترجمة بقلم ابنه الأستاذ الدكتور علي، وقد أفردت الشيخ بترجمة مستقلة.
(1) جريدة البلاد 28 صفر 1372هـ.
(2) انظر جريدة الجزيرة عدد (17962) بتاريخ 17- شعبان- 1443هـ.