عطية محمد عطية عقيلان
يعتبر أسلوب الكوميديا السوداء من الفنون التعبيرية التي استخدمها القديم منذ الأزل، سواء في الشعر أو القصة، وظهرت كأسلوب فني مستخدم في الأفلام والروايات والقصص، حيث يتم تناول قضايا جادة وشائكة وجدلية مثل جرائم القتل، والخيانة والظلم والتمييز والمخدرات.. ويتم عرضها بأسلوب ساخر كوميدي، يخفف من وطأة هذه المأساة الإنسانية على المتلقين، ويجمع هذا الأسلوب بين الضحك والألم، والحزن والسخرية، وقد جسد الفنان شارلي شابلن، أسلوب الكوميديا السوداء، في فيلم، عام 1947 مستر فيدرو «Monsieur Verdoux»، حيث يؤدي دور عامل طرد من عمله، وبدل بحثه عن عمل جديد، راح يفتش عن السيدات الثريات، ومن ثم يتزوجها ويقتلها ويستولي على مالها، وكانت يعتبر ما يقوم به جريمة، في حين من يقتل آلاف البشر في الحرب، يعتبر شجاعة، فرسالة الفيلم أن القتل جريمة مهما كانت الأسباب، وإن كانت بطابع كوميدي في استدراج الثريات وقتلهن. وأصبح أسلوب «الكوميديا السوداء» مخرجاً مستساغاً، للأدباء للتعبير عن واقع حياتهم المأسوي بطريقة ساخرة تخفف من بشاعته وتجذب المتلقي دون أن يتعرض للمساءلة أو العقاب، وفي نظري أن الكثير من قصص التاريخ التي تروي عن أبي العتاهية والجاحظ ونوادر جحا وأشعب والكثير من أدباء مختلف العصور، يدخل بعضها تحت الكوميديا السوداء التي تحكي عن واقعهم أو صفاتهم الجسمية وعيوبهم الخلقية، كذلك نجدها في قصص وحكايات أدباء عالميين منهم: الروسي انطون تشيخوف، والإيرلندي جورج برنادشو، والفرنسي فولتير، والأمريكي مارك توين، واليوناني أريستوفان، وفي عالمنا العربي أشتهر محمد الماغوط ولينين الرميلي وآخرين، ونجد كيف لجأ توفيق الحكيم للحديث عن حماره وسماه «الفيلسوف»، ويؤلّف فيه العديد من الكتب، ويسقط على الواقع من سلوكيات وعادات وتجاوزات بأسلوب ساخر بحواره مع صديقه الحمار، ونجد أن المسلسلات والأفلام في عالمنا العربي، تعالج الكثير من القضايا الاجتماعية من عادات بالية كالإسراف أو القطيعة أو الظلم بين الأقارب في قضايا الميراث والزواج والتعليم وتكافئ الفرص.. إلخ ويتم تناولها بالكوميديا السوداء، وخير من مثلها في عالمنا العربي الممثل حسين عبدالرضا في مسلسل الإسكافي وديوان السبيل، ومحمود عبدالعزيز في أفلامه «الكيت كات، والكيف، وخليل بعد التعديل ..» وعادل إمام مثل فيلمه مرجان أحمد مرجان، وأحمد زكي في فيلم البيضة والحجر، والعديد من النوم. وقصة مثلنا «كان سروق وشبع وتاب»، تدخل من باب الكوميديا السوداء، حيث يضرب هذا المثل لمن يترك الإجرام من سرقة وأكل حقوق الناس والتعدي عليهم والظلم، ليس من باب الورع والتقوى ومعرفة الخطأ وتصحيح مساره، وإنما لعدم حاجته إلى السرقة، فقد اغتنى وشبع، ولم تعد نفسه تتطلع إلى ما عند الناس، وقد يتحول إلى معطاء وكريم بعد أن اغتنى من سرقة أموال الآخرين وحان تحول الأفعال السوداء إلى كوميديا، وهذه تذكر بمقولة للأديب الروسي أنطوان تشيخوف» اقتربت مني زوجتي وهي تتلألأ بالألماس والذهب، وهمست لي وقالت: يقولون إنك سرقت! إن كان هذا صحيحاً فعليك أن تحترس، ليس بإمكاني أن أعيش مع لص، سأتركك، كانت تقول هذا، وهي تصلح من وضع فستانها، الذي اشتريته لها بخمسة آلاف روبل، الشيطان وحده، يفهمهن».
خاتمة: تعتبر الكوميديا من أصعب الأساليب الفنية للوصول للمتلقي دون أن تتحول إلى مجرد تهريج، فإضحاك الناس يحتاج إلى خفة ظل وأداء طبيعي، فكيف إذا كانت تتناول آلامهم ومشاكلهم وحزنهم ومآسيهم، وعرضها بأسلوب أدبي ساخر كوميدي، لذا يقال «شر البلية ما يضحك» ومن أقوال مارك توين «تنبع الفكاهة من الحزن لا من السعادة».