عبدالرحمن الحبيب
هل تكفي المنتجات الزراعية لإطعام العالم؟ نعم بل وتفيض إذا أخذنا بمجموعة من الأفكار العملية لنصبح أكثر حنكة بشأن إنتاج الغذاء، وجعل سلاسل التوريد أكثر كفاءة، ونقلل الهدر والفاقد حسب ما يراه مجموعة من علماء الزراعة والأغذية الذين طرحوا مقترحات مختلفة نشرت لهم مجلة فورين بوليسي عدداً خاصاً، هنا خلاصة ما جاء فيها.
الحل لأزمة الغذاء العالمية ليس المزيد من الغذاء، فهناك الكثير حولك، لكنها تذهب إلى الأماكن الخطأ، حسب خبيرة المحاصيل ونظم الأغذية سارة تابر التي تذكر أنه بعد فترة وجيزة من الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير، ظهرت عناوين مذعورة حول نقص القمح العالمي.. تقول: كنت أعرف أن هذا لم يكن صحيحًا، موضحة بأن أزمة الإمدادات الإقليمية كانت حقيقية مما أدى إلى اضطراب سلاسل التوريد، لكنه لم يكن نقصًا عالميًّا. بفضل المحاصيل المتوفرة في الهند وأستراليا وأماكن أخرى، كان هناك ما يكفي لإطعام الجميع، وكان علينا فقط تحريكه. الإشكالية كانت في التغطية الإعلامية لسلاسل الإمداد بالأغذية التي تميزت بالتخويف مما أدى للمضاربة والقيود التجارية، لتتفاقم المشكلة. بحلول أوائل يوليو، هبطت أسعار السلع العالمية لتعكس مدى توافر الغذاء. لذا، تقول تابر: يجب أن نتعامل مع السياسة الغذائية على أنها منفعة عامة وليست فقط مسعىً للشركات الخاصة.
إلا أن وفرة الغذاء قد لا تكون في العديد من البلدان الإفريقية، وإحدى طرق إنتاج المزيد من الغذاء تتمثل في تحسين الوصول إلى الأسمدة حسبما يذكر سالوني شاه، محلل أغذية وزراعة في معهد بريكثرو، الذي يوضح أنه في العديد من البلدان الإفريقية جنوب الصحراء يستخدم 20 كيلوغرامًا فقط من الأسمدة لكل هكتار من الأرض، أقل بكثير من المتوسط العالمي. نتيجة لذلك، تنتج هذه البلدان محاصيل أقل وتضطر إلى إنفاق الأموال على الاستيراد باهظ الثمن. وقد أدت الحرب الروسية في أوكرانيا إلى تفاقم نقص الغذاء الذي كان بادياً بسبب جائحة كورونا. كما أدت العقوبات الغربية المفروضة على روسيا، وهي أكبر مصدر للأسمدة في العالم، إلى زيادة أسعارها. ونتيجة لذلك، قد يضطر المزارعون إلى تقليل استخدام الأسمدة العالمية بنسبة تصل إلى 7 في المائة في الموسم المقبل، وهو أكبر انخفاض منذ أزمة عام 2008. ومن المتوقع أن ينخفض الاستخدام بأكبر قدر في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. من هنا، حذر رئيس بنك التنمية الإفريقي، في مايو، من أن نقص الأسمدة قد يؤدي إلى انخفاض بنسبة 20 في المائة في إنتاج الغذاء في القارة. لذا فإن إفريقيا بحاجة إلى المزيد من الأسمدة وليس تقليلها من أجل زيادة محاصيلها، حتى لو كان ذلك يتعارض مع الأهداف المناخية.
أزمة الغذاء ليس في الكمية فقط، بل أيضاً في النوعية، حسب نايجل بورفيس الرئيس التنفيذي لمجموعة «مستشاري المناخ»، وبروس فريدريش الرئيس التنفيذي لمعهد غود فود اللذان يطرحان قضية اللحم النباتي باعتباره إحدى أفضل الطرق لتقوية النظام الغذائي العالمي في تقليل اعتمادنا على أقل القطاعات فاعلية والأكثر انبعاثات لغازات الاحتباس الحراري، وهو الإنتاج الحيواني. لكن المشكلة أن البرغر النباتي أغلى من برغر اللحم البقري العادي, والحل هو في الإعفاءات الضريبية والإعانات لجذب الاستثمار في البروتينات النباتية التي بدورها تعمل من أجل الطاقة المتجددة وهي أفضل للصحة وللمناخ. ضع في اعتبارك أنه في ظل النقص الحاد في الحبوب، والذي يهدد بزعزعة استقرار اقتصادات بأكملها في الشرق الأوسط وخارجه، يستخدم قطاع الزراعة الحيوانية العالمي ثلث إمدادات العالم؛ بينما يتم تحويل جزء بسيط من ذلك إلى بروتين صالح للأكل.
التوجه لنوعية مميزة من الأغذية سواء عبر محاصيل مغذية سهلة الزراعة مثل المشروم (عيش الغراب) أو محاصيل تتحمل الظروف القاسية من جفاف وحرارة مثل الدخن، تشكل جزء أساليب للحل؛ فحسب تقارير أليسيا كينيدي من بورتوريكو التي أظهرت كيف يراهن رواد الأعمال المحليون على عيش الغراب لتحقيق الأمن الغذائي في جزء من العالم تضرر بالفعل بشدة من تغير المناخ، وتقترحه في الزراعة المحمية كبديل عن بعض الخضار كالخس. في ذات السياق كتب دان سالادينو أن الحبوب القديمة مثل الدخن الغنية بالمغذيات تحتاج إلى كمية أقل من الماء وأكثر مقاومة للآفات والظروف القاسية، وقد وجد أن أحد المجتمعات في شمال شرق الهند صارت رائدة في العودة لهذا المحصول وتغيير نظامه الغذائي.
الخلاصة العامة أن أزمة الأمن الغذائي ليست في إنتاج الغذاء على مستوى العالم فهو متوفر لكن المشكلة في التوزيع (سلاسل الإمداد) من ناحية وغلاء الأسعار من ناحية أخرى. أما البلدان التي تعاني من عدم القدرة على الشراء أو عدم كفاية إنتاجها الزراعي فتقول مونيكا توتوفا الخبيرة الاقتصادية بمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) إن الحصول على المستلزمات الزراعية (كالأسمدة والمعدات على سبيل المثال) لا يزال يمثل مشكلة في المناطق المتأثرة بالنزاعات أو الأزمات الاقتصادية أو الاثنتين معاً. تشخيص هذه المشاكل الرئيسية يؤدي إلى تحديد العلاج.