خالد المشاري
رحيل من تحب.. وفراق من تأنس بوجوده في حياتك وتراه دوماً أمام أنظارك من أشد أنواع الألم والأسى، خاصة إذا علمت أن هذا الرحيل المفاجئ والسريع والفراق المفجع فراق ما بعده لقاء، إلا في الدنيا الآخرة وبرحمة ربنا التي وسعت كل شيء وبإذنه جل علاه سيجمعنا بوالدينا وذرياتنا ومن نحب في دار كرامته.
ففي فجر يوم الثلاثاء 14 ربيع الآخر 1444 هـ انتهت مسيرة اللواء مهندس إبراهيم السالم المشاري.. بعد رحلة حافلة بالكفاح المشرف والعمل المخلص لدينه وملكه ووطنه، خدم هذا الوطن الغالي بكل تفانٍ وإخلاص من خلال عمله لواء مهندس بوزارة الدفاع وكان نموذجاً مشرفاً في العطاء والوفاء والنزاهة والأمانة وحسن القيادة ورقي التعامل مع الآخرين.
رحل اللواء إبراهيم السالم المشاري بعد معاناة مع المرض لم تدم طويلاً، كان خلالها صابراً محتسباً بشوشاً، كان دائماً يتحامل على نفسه وعلى مرضه في سبيل إرضاء أسرته ومحبيه، كان يوجه وينصح ويطالب بتنفيذ أمور يرى أنه من الضروري سرعة تنفيذها قبل رحيله من هذا الدنيا الفانية، فهذه رسائل من والد مُحب، عنوانه الدائم الحب والوفاء وكأنه بهذه القرارات السريعة يعلم بقرب رحيله للدار الآخرة، وهذه المؤشرات ساهمت في بث المزيد من القلق والحزن بقلوب محبيه الذين ذرفوا الدموع مبكراً، لأن هناك خبرًا غير سار ينتظرهم تجاه الأب والأخ والصديق الذي لا يختلف أحد على محبته أحد لا صغير ولا كبير.
رحل اللواء إبراهيم المشاري.. وكان رحيله صدمة لم يستوعبها أبناؤه وبناته وزوجته وشقيقاته ومحبوه لتسارع الأحداث التي صاحبت رحلته المرضية المؤلمة، حيث إنها لم تدم طويلاً وكان خلالها الراحل يصارع المرض وهو صامد متماسك محتسب ومبتهل إلى الله تعالى أن يشفيه من شفاه، ويداويه من داواه، ويعافيه من بلاه، بعد معاناته المرضية والجسدية والنفسية، ولكنها إرادة الله ولا راد لقضائه حيث فاضت روحه إلى بارئها لتنتهي قصة الألم التي عاشها الفقيد، ولكنها قصة تحمل فيها الكثير من البشائر بإذن الله تعالى، فالصبر على البلاء والاحتساب يكفر الله به الخطايا ويغسل به الذنوب امتثالاً لقوله تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ}. فنسأل الله عز وجل أن يجعل ما أصابه رفعة لدرجاته ومنزلته في الجنة.
رحيل والد بحجم ومكانة اللواء إبراهيم المشاري لا شك يترك جرحاً عميقاً في القلب ويدوم وقتاً طويلاً ليلتئم ذلك الجرح، لأن أبا مشاري هو السند والنموذج والقدوة لأبنائه وبناته، وهو العنوان الحقيقي للكرم والوفاء، ومصدر السعادة لأسرته بروحه المرحة وثقافته وأسلوبه الراقي في التعامل والتربية والتواضع، فمن هذا المنطلق يبقى فقدانه موجعًا ومن الصعب نسيانه، وستبقى ذكراه عالقة في الأذهان سنوات طويلة سواءً لأفراد أسرته أو محبيه.
للفقيد الراحل مواقف حانية ومشرفة معي ومع أعز الناس في قلبي (ابني الطفل الراحل عبدالرحمن ذو العشر سنوات) -رحمه الله- ورزقنا الله شفاعته، لن أتحدث عن تفاصيلها لأن أطرافها لدى الرفيق الأعلى، وإن شاء الله فازوا بمنزلة الشهداء، ولكن تلك المواقف لا يفعلها ويستمر على فعلها إلا الرجال الأوفياء النبلاء، ولتؤكد ما يتمتع به الفقيد الراحل من الشهامة والحرص الدائم على مواساة أصحاب الابتلاءات والوقوف بجانبهم، فكان بلسماً لجروحنا وسبباً في تخفيف معاناتنا، وكان لنا أباً حنوناً قبل أن يكون ابن عم أو خالاً لشريكة عمري ومصدر سعادتي أم عبدالعزيز، لغته التفاؤل، وسلاحه الصبر على البلاء، لا يتحدث إلا بالطاقة الإيجابية لإيمانه التام بأن الله هو الشافي وهو المعافي، والأطباء ما هم إلا سبب من الأسباب قد يسخرهم الله بحوله وقوته وإرادته ويكونوا سبباً من أسباب الشفاء، ولكن في النهاية تبقى حكمة الله تعالى وقدره هي النافذة.
لم يكن فراقه أمراً سهلاً علينا وعلى محبيه وأصدقائه الذين كانوا يبادرون بالاتصال والسؤال عنه، مبدين قلقهم من غيابه المفاجئ وانقطاع وسائل الاتصال معه -رحمه الله- لمكانته الكبيرة في قلوبهم، حيث انشغل خلال الفترة الأخيرة برحلته العلاجية بين أمريكا والرياض، وفي النهاية ذهل الجميع من خبر رحيله، وسرعة انتهاء فصول رحلته المرضية التي أصابتهم بالألم والحسرة لأنهم متفقون على أن رحيله للدار الآخرة خسارة كبيرة لا تعوض، حيث فقدوا صديقاً عزيزاً وأخاً كبيراً، كان دائماً مبادراً لفعل الخير دون أن يعلم بأفعاله أحد، أسأل الله أن يجعل ما قدمه من مبادرات خيرية في موازين حسناته.
وفي ختام مقالي أوجه رسالة مواساة لرفيقة دربه وشريكة عمره أم مشاري ولشقيقته الغالية الخالة العزيزة أم فهد ولأبنائه الدكتور مشاري ومشعل وبناته.. وأقول لهم جميعاً: إن الحياة الدنيا منح ومحن، وأفراح وأتراح، وآمال وآلام، فدوام الحال من المحال، والصفو يعقبه الكدر، والفرح فيها مشوب بترح وحذر، وهيهات أن يضحك من لا يبكي، وأن يتنعّم من لم يتنغَّص، أو يسعدَ من لم يحزن!!
هكذا هي الدنيا، وهذه أحوالها، وليس للمؤمن الصادق فيها إلا الصبر والاحتساب، فالدنيا فانية، وهذا مصيرنا جميعاً، الموت كأس وكل الناس شاربه والقبر باب وكل الناس داخله، الموت له هَيْبَة تخضع لها الرؤوس، وتنحني لها الظُّهور، وله رهبة تخشع لها النُّفوس، وتَرجُف من أجلها القُلوب، الموت يَمضِي في طَريقه ولا يتوقَّف ولا يلتفت، لا يستجيب لصَرخة مَلهُوف، ولا لحسْرة مُفارق، ولا لرغبة راغب، ولا لخوف خائف. الموت قَضاء نافِذ، وحُكم شامل، وأمر حاتم لازم، لا تمنع منه حَصانة القِلاع، ولا يَحُول دُونه حِجاب.
نسأل العلي القدير أن يلهمنا جميعاً الصبر على رحيل فقيدنا الغالي ورمزنا الفاخر اللواء إبراهيم السالم المشاري، وأن يتغمده بواسع رحمته ومغفرته وأن يسكنه الفردوس الأعلى من الجنة، ويجعل قبره روضة من رياض الجنة، ويجعل ما أصابه من آلام تكفيراً لذنوبه، ورفعة لمنزلته، وأن يرزقه منزلة الشهداء ويكون شفيعاً لوالديه ولزوجته وذريته وأن يكونوا في دار كرامته على سرر متقابلين.. ولا نقول إلى ما يرضي ربنا {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.