على خلاف ما يبدو من المصطلح الصعب نوعًا ما، إلا أنه خلال السطور القليلة التالية سيروق لك الأمر كثيرًا، وخاصة إذا كان مرتبطًا بالحلم الذي يحلم به كل إنسان على سطح هذه الأرض: الثراء المالي.
وبالتأكيد عندما أتحدث عن الاستثمار، فإنني لا أعني بالضرورة أصحاب الملايين الذين لا يعرفون أين يضعون أموالهم. إنني أتحدث عن الموظف العادي الذي يتقاضى راتبًا شهريًا بالكاد يكفيه، ويبحث عن وسيلة لرفع مستوى معيشته.
وسأتناول الأمر بشكل موضوعي ومنطقي تمامًا، يمكن البدء في تنفيذه فور الانتهاء من القراءة. لذلك أنصحك بالتفرغ الكامل الآن، والتركيز لقراءة هذا المقال.
ولنبدأ أولاً بالتعرف على مفهوم المحفظة الاستثمارية...
*التعريف: ما هي محفظة الاستثمار Investment Portfolio*
حسب تعريف هارفارد بزنس ريفيو للمحفظة الاستثمارية فهي:
- «مجموعة منتقاة من الاستثمارات، يتملكها المستثمر بهدف تحقيق عائد مع مرور الوقت، مع التأكد من الحفاظ على رأس المال أو الأصول، وتشمل السندات والأسهم والعملات والنقد وما يعادله والسلع».
ولو شعرت أن التعريف أكاديمي بعض الشيء، ويحتاج إلى المزيد من التوضيح، فيكفي أن أخبرك أن مصطلح محفظة الاستثمار يشير إلى جميع الجهات أو المشاريع التي تضع فيها أموالك بغرض تنميتها وتحقيق دخل إضافي.
وليس شرطًا أن تكون محفظة الاستثمار شيئًا رسميًا مثل الأسهم والسندات. فقد تكون مشروعًا تجاريًا مربحًا ترى أنه سيحقق نتائج جيدة على مدار السنوات القادمة.
باختصار: كل ما تضع فيه أموالك بغرض الربح اسمه «استثمار»
إذا جمعت («استثمار» + «استثمار» +»استثمار» + ...إلخ) فهذا اسمه (محفظة استثمارية Investment Portfolio). أعتقد أن التعريف قد بات واضحًا الآن بعد هذا المثال.
- ما هي أنواع محافظ الاستثمار؟
والآن لنلق الضوء على أنواع محافظ الاستثمار. من وجهة نظري هما نوعان لا ثالث لهما. غير أن محبي الدقة التوصيفية يضيفون نوعًا ثالثًا، هو الجمع بين النوعين الأول والثاني في باقة واحدة.
لنكتشف ذلك سويًا...
1. محفظة الدخل:
الغرض من هذه المحفظة هو وضع المال في استثمار آمن بغرض توفير دخل سلبي Passive Income ثابت. صاحب هذه المدرسة لا يبحث عن مغامرة ولا يحب المخاطرة. هو فقط يريد تأمين معيشته بدخل ثابت كل شهر.
ترى هذا النوع فيمن يضع أمواله في السندات أو الأسهم الممتازة الآمنة. كذلك هو النوع الذي يصنع وديعة بنكية بعائد ثابت شهري (بغض النظر عن وضعه الشرعي) ويستفيد من هذا العائد.
2. محفظة النمو:
هذا النوع من المحافظ يلعب في المنطقة الخطرة، ذات العائد المرتفع والمخاطر المرتفعة كذلك.
لنتفق على مبدأ عام: العلاقة بين الربح والمخاطرة علاقة طردية.. فكلما ارتفعت الأرباح المتوقعة، ارتفعت المخاطرة. هذه علاقة أبدية، ويمكنني الجزم بأنها سنة مُطلقة من سنن الكون. كلما خاطرت حصلت على المزيد.
يناسب هذا النوع من المحافظ المستثمرين أصحاب النفس الطويل، الذين ليس لديهم مانع من ترك أموالهم في محفظة استثمارية خطرة، يتلاعب بها السوق حسب اتجاه المال والأعمال. فهذا النوع من المخاطرة قائم على الصبر لأقصى درجة ممكنة، ومن ثم تحقيق أعلى عائد ممكن، وهذا يحدث - في الغالب - بعد سنوات عدة، ومن النادر أن يحدث بضربة سوقية مفاجئة.. (ولكنه يحدث).
3. المحفظة المختلطة:
وهي التي تجمع النوعين السابقين في باقة واحدة. وهي تسير بمبدأ: ما المانع في توفير دخل شهري ثابت وآمن من بعض الاستثمارات، والمغامرة في مجموعة أخرى من الاستثمارات؟ .. لا يوجد أي مانع.
هناك نوع آخر اسمه «محفظة القيمة»، وهو حالة خاصة من الاستثمار، إذ يعتمد على شراء الأصول الضعيفة في الأوقات الاقتصادية الصعبة. فهو من ناحية يحصل على أصول قيمة بسعر أقل من قيمتها الفعلية بسبب عملية البيع، وبسبب الظروف الاقتصادية، ومن ناحية أخرى قد ترتفع قيمة هذه الأصول لاحقًا عندما ينتعش الاقتصاد.
وأنا أرى أن هذا النوع ينتمي - تصنيفيًا - إلى محفظة النمو، حتى وإن اختلفت الإجراءات.
وبشكل عام، إذا كنت مبتدئًا لا تهتم إلا بالنوعين الأول والثاني، وقد تم التركيز عليهما بشكل خاص في هذا المقال.
الآن .. قد تقول: لا أفهم ما تقول، ولا كيف يمكن الالتحاق في أي استثمار أو إدارة أي من هذه الاستثمارات.
في هذه الحالة ستجد الإجابة في البند التالي...
- كيف يتم إدارة محفظة الاستثمار؟
عن طريق (مدير المحفظة) بالطبع.
من هو مدير المحفظة؟
هو ذلك الشخص الذي يعيش حياته في الأسواق المالية، ويتابع نمو وهبوط الأسهم والسندات، ويدرس أحوال السوق والاتجاهات العامة التي يسير نحوها، فيمكنه توقع ما الذي ستؤول إليه الأمور في المرحلة القادمة، ومن ثم يشجع على الاستثمار في قطاع معين عن آخر، أو شركة معينة عن أخرى.
يقوم بهذه العملية مقابل نسبة ثابتة ومحددة من أرباحك من هذه الاستثمارات.
الميزة في الاعتماد على مدير محفظة استثمارية محترف غرضه تفريغ عقلك تمامًا لعملك الأساسي الذي تقوم به، والذي يدر عليك دخلاً. فمتابعة الأسواق وارتفاع أو هبوط الشركات، يعتبر عملية معقدة وتحتاج إلى كثير من الوقت، وكذلك الخبرة.
فحتى لو توفر لديك الوقت، فخبرتك بعد ما زالت في مرحلة الطفولة، ومن ثم يُفضل أن تعتمد على مدير استثمار لديه القدر المناسب من الخبرة التي تساعدك على نمو أعمالك بشكل آمن، أو حسب رغبتك الاستثمارية.
- كيف السبيل لبناء محفظة استثمار متينة وأنا بعد موظف بسيط؟
يظن البعض بحكم كونه موظفًا يتقاضى راتبًا محدودًا أنه لا يمكنه الاستثمار لتواضع هذا الراتب. حسنًا.. ضع في ذهنك أنه مهما كان راتبك قليلاً، يمكنك الادخار منه والبدء في الاستثمار. إذا تعاملت مع مبدأ أن مرتبك ضعيف ولا يمكن استقطاع أي جزء منه بغرض الادخار ثم الاستثمار، ففي الغالب لن تدخل عالم الاستثمار أبدًا.
وأيًا كان وضعك المالي ستتحرك وفق الخطوات التالية:
1. جمع المعلومات:
لا تتطلب عملية جمع المعلومات أكثر من البحث. قد يكون هذا البحث إلكترونيًا عبر الإنترنت، وقد يكون معرفيًا عبر قراءة الكتب التي تتحدث عن الاستثمار وإدارة المحافظ الاستثمارية، وقد يكون ميدانيًا عبر التعامل والاختلاط بمديري المحافظ الاستثمارية المحترفين، من دون مقابل بغرض التعلم فقط.
جمع المعلومات لن يكلفك أكثر من الوقت.
2. تحديد الهدف الاستثماري:
وفق المعلومات المتوفرة، ستتضح لك بعض الفرص التي ترى أنها مناسبة لإمكانياتك الحالية. (ركّز يا صديقي..) هذه هي الخطوة الأولى لك في عالم الاستثمار، ومن ثم يجب عليك اختيار الفرصة المناسبة لك من حيث عنصرين غاية في الأهمية:
- الاستطاعة: أن تكون الفرصة في حدود إمكانياتك.
- الأمان: أن تكون الفرصة آمنة بقدر الإمكان حتى لا تخسر أموالك وتكره الاستثمار من البداية.
3. ادّخار 10% شهريًا من الراتب..
علمتني الحياة أن من يمكنه العيش بـ 1000 ريال في الشهر يمكنه العيش بـ 900 فقط. وأن من يمكنه العيش بـ 6000 ريال في الشهر يمكنه العيش بـ 5400 فقط. يعتمد الأمر على عنصر واحد: الإرادة.
الإرادة المدفوعة برغبة قوية في أن تغير أوضاعك المالية للأحسن. لا يهم كيف تبدأ، ولا أن تكون البداية متواضعة، ولكن المهم هو الاستمرارية. أما النتائج فهي ليست من عندك على الإطلاق. إنما هي من عند الله وتوفيقه عندما يرى اجتهادك وحسن أخذك بالأسباب.
بالطبع عملية الادّخار تبدأ من الآن فور قراءتك هذا المقال. وتستمر معك وأنت بعد في رحلة التعلم وتَفَقُّد الفرص وتحديد الهدف الاستثماري. هذا نوعًا ما يعطيك القدرة على اتخاذ القرار المناسب، وفق ما تمكنت من ادخاره بالفعل.
4. اختيار وعاء استثماري آمن طويل الأمد والبدء به..
هذه الخطوة واضحة، وتم التنويه عن سببها منذ قليل.
إذا تعرضت لخسارة قوية في بداية رحلتك الاستثمارية، ربما يكون هذا سببًا للتراجع عن إكمال الرحلة. وقد تكره فكرة الاستثمار بشكل عام، وترى أنها مخاطرة غير محسوبة من الأساس. لذلك احرص في البداية على الاستثمار الآمن.
وبالمناسبة، ليس بالضرورة أن يكون الاستثمار مرتبطًا بالأسهم والسندات والبورصة بشكل عام. أي فرصة ترى أنها آمنة لتوظيف أموالك، هي فرصة استثمارية يمكنك البدء بها.
5. تكرار العملية والبدء في الاعتماد على وعاء استثماري خطر..
قطف الثمار من الوعاء الاستثماري الآمن، سيشجعك على المخاطرة. ستقول إنني حاولت وتمكنت من فعلها. ستشعر بالمزيد من الجرأة لتجربة أكثر صعوبة، وبها نسبة مخاطرة مرتفعة.
وهذا بالطبع من دون هدم أوعيتك الاستثمارية الآمنة. فما جربته وحقق لك أرباحًا بشكل آمن ومستقر، لا تقم بهدّه لأجل المخاطرة. نوّع بين الاستثمارين في محفظتك، وتقبل المخاطرة والخسارة، تمامًا كما ستستمتع بالربح.
الخلاصة:
لا تجعل وضعك المادي المتواضع، أو جهلك بالاستثمار عائقًا أمام ولوجك في عالم الاستثمار وبناء محفظة استثمارية جيدة. ما ينقصك هو المعرفة والادّخار والمحاولة.
اعتبر هذا المقال بدء المعرفة، وابدأ فورًا بالادّخار إن لم تكن قد بدأت بالفعل، ثم اختر المحاولة الآمنة التي تناسبك للبدء بها، واستمتع بجني الأرباح.
** **
جمال عبدالرحمن الزامل - رجل أعمال وصناعة وكبير مستشاري عيادات الأعمال