عبد الله سليمان الطليان
لعل التقدم في المجال العلمي ذي التوجه الإنساني يشكل أعظم إنجاز لخير البشرية، والذي قاده علماء أفنوا أعمارهم في تجارب وأبحاث مكثفة ومستفيضة، انغمروا في معاملهم في جهد لا يعرف الكلل أو الملل تطويهم الأيام والأسابيع والسنوات، لتحقيق اكتشاف علمي جديد، هؤلاء هم حقاً الذين أعتبرهم الرواد الحقيقيين في هذا العالم الذين يجب دعمهم ومساعدتهم، والعمل على استيلاد أمثالهم، لانهم يمثلون قمة العطاء الإنساني المادي الذي هدفه حاجة الإنسان ورفاهيته.
عندما نتحدث عن اكتشاف علمي فهو يكون في غالبه لا يعتمد على أفراد آخرين فهو نتاج فردي بالعادة، هناك من يطلع على تجارب الآخرين ولكنه يجعل منها أحيانا انطلاقاً أو قاعدة نحو اكتشاف مختلف كلياً يتميز فيه بفكرة جديدة، وأقول إن هذا الاكتشاف العلمي هو أعظم من الإنتاج الثقافي الفكري المختلف، صحيح إننا نجد له أثر في الحياة البشرية ولكنه لا يقارن بالأثر العلمي على الإطلاق الذي يغير واقع حياة الإنسان المادية بشكل كبير، ونحن نلاحظ هذا في حاضرنا. هناك إنتاج ثقافي فكري قديم ركز في أغلبه على الأخلاق والصراع بين البشر، لازلنا نعيد تكراره وطرحه بشكل مملل لا يناسب زمننا، يملأ المجلات والدوريات الثقافية، إننا نفتقد إلى انتاج ثقافي حقيقي غير مقلد، لا يقوم على إعادة طباعة كتاب وتغيير غلافه بشكل جذاب بعبارة ان الطبعة منقحة ومزيدة، طبعا هناك تهافت كبير على هذا من قبل من يريد إعطاء نفسه صفة مثقف ومهتم بالثقافة، والتي زادت وتيرتها مع تطور وسائل الاعلام في عصرنا، تلك الثقافة التي نحصرها في جانب يهمنا وهي لا تشكل أحياناً معنى حقيقياً للثقافة، وخاصة في واقعنا من خلال كتب تبحث في دائرة النسب وأصل القبيلة ومكوناتها، استغله بعض دور النشر من أجل الكسب المادي فقط.
إن التميز في العطاء الثقافي لا يأتي عن طريق تراكم الكتب وكثرتها في مكتبتك والفخر بقراءتها وحفظ مضمونها بذاكرة قوية، وسردها في بحث أو دراسة أو لقاء أو مقال، بل التميز يأتي عن طريق إبداع فكري مختلف عما تطرق اليه السابقون، الذين في أغلبهم لم يكن يملك مكتبة أو كتبا، لكنه يملك عقلا مستنيرا، أبدع بقدراته وحده هو ولم يجعل من إنتاج غيره أحيانا سوى مطية نحو التفرد بالتميز في إبداع جديد.