الثقافية - علي القحطاني:
استؤنفت إثنينية عثمان الصالح بعد انقطاعها لعقد ونصف مساء يوم الاثنين 7 ربيع الثاني 1444هـ الموافق 13 نوفمبر 1444 هـ وقدّم فقرات الإثنينية المذيع السعودي محمد خيري، وألقى المشرف العام على الإثنينية الأستاذ بندر بن عثمان الصالح كلمة رحب فيها في مستهل لقاءاتها بمعالي الشيخ سعد الشثري المستشار بالديوان الملكي عضو هيئة كبار العلماء، وقال عنه: وضيفنا الليلة هو تلك السحابة التي تمطر في كل مكان وكل وقت خيراً -بإذن الله - وهذا الرجل الذي يغوص بين الكتب ويقضي جلّ وقته في المكتبات هذا الذي إذا تحدث سلب الألباب وإذا كتب أبلغ وأجاد.
وتفضّل معالي الشيخ سعد الشثري بإلقاء ورقته بعنوان «أدب الحوار» وقال: ... فإن من كمال هذه الشريعة أن نظّمت سبل الهداية ونظّمت طرائق التعامل بين الناس وكان من سبل الهداية ومن طرائق التعامل المناقشات والحوارات التي تكون بين الناس وفي عصرنا الحاضر بوجود هذه الوسائل الكثيرة المتعددة فالإعلام والاتصال والتواصل أصبحت الحاجة ماسّه لمعالجة هذا الموضوع الذي نجتمع من أجله ألا وهو موضوع «أدب الحوار» خصوصا أن الحوارات التي تكون في هذه الوسائل العامة أصبحت لا تقتصر على النخب وأهل الاختصاص وبالتالي نحن نحتاج إلى ترقية جميع أفراد المجتمع ليكونوا على مستوى عال ولهم التأهيل في الدخول في هذه الحوارات ونضمن بإذن الله عزَّ وجلَّ أن من يدخل فيها يكون على المستوى المطلوب ويحقق الهدف المنشود فيما يتعلق بهذه الحوارات وعندنا في ديننا القويم منطلقات يمكن أن نجعلها أساسا لأدب الحوار ولعلي أشير إلى عدد منها فأول ذلك يتعلق بسلامة المقصد بحيث يكون الهدف من هذه الحوارات الهدف القيّم الذي لا يريد الإنسان من الدخول في هذه الحوارات بمجرد بناء الأمجاد الشخصية ولا يكون مقصوده أن يغلب برأيه وأطروحاته، الآخرين، وإنما يكون المقصود أن يصل الجميع للحق وأن تكون اجتهادات الناس قد استوفت شروطها وبالتالي يكون الإنسان نائلا الأجرين بإصابته الحق أو نائلا للأجر الواحد كونه بذل وسعه في الاجتهاد ومحاولة الوصول للحق فيعفى منه ما كان منه من خطأ كما قال صلى الله عليه وسلم (إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد)، وتحقيق هذا المقصد بأن تكون نياتنا الوصول للحق لنرضي الله جلَّ وعلا وليكون من شأننا أن نحصل على الأجر المضاعف ومن أعظم ما يقوّم سلوك الناس ويجعل الحوارات التي تكون بينهم على أكمل منهج ونحن نشاهد على مستوى العالم أجمع من يكون له أهداف مغايرة لهذا الهدف السامي الذي جاء به ديننا فمرة يريد الإنسان انتصاراً لنفسه ومرة يريد أن يكون لحزبه أو من ينتمي إليهم المكانة العليا في النفوس فتكون المقاصد هي أن يغلب من يقابله على أي شأن وأي حال ونستحضر في هذا المقام كلمة الإمام الشافعي رحمه الله حينما قال: «ما ناظرت أحداً إلا وددت أن يظهر الله له الحق على لسانه» ومتى استطعنا أن نجعل المقاصد البشرية في الحوارات منطلقة من هذا المقصد فإننا سنحقق للبشرية فائدة عظيمة وسنمكنه -بإذن الله - من الوصول إلى ما يحققالخير والسعادة، ويكون سبباً من أسباب انتظام أحوال الناس ومودة بعضهم لبعضهم الآخر ومما جاءت به الشريعة لتنظيم ما يتعلق بالحوارات فهو أساس محبة ووصول الخير إلى الآخرين، فالمؤمن يريد أن يصل الخير وأن تكون الهداية والسعادة لجميع الناس وممّا جاءت به الشريعة (في مسألة أدب الحوار) الالتزام بالقول الطيب واللفظ الجميل كما قال تعالى {وقولوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} وقال تعالى {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} فانظر استعمل أفعل التفضيل في قوله {أحسن} لا يريد الحسن فقط، وإنما يأمر بأن ينتهج الإنسان ويختار أحسن الألفاظ وأجملها و اختيار أجمل الألفاظ وأحسنها هي التي تؤثّر على النفوس التي يحصل من خلال الحوار حولها وليست هي نهاية المطاف أن نصل إلى رأي في قضية النقاش والحوار، بل هناك ما هو أعلى ألا وهو مد جسور التعارف والمحبة فيما بين الناس ونحن نستشعر قول الله جلَّ وعلا {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} والأساس الآخر الذي ينبغي أن نجعله بين أعيننا، حيث جاءت به الشريعة ألا وهو وجود المرجع الذي يرجع إليه في الحوارات بحيث يكون هناك اتفاق بين المتحاورين على المرجع الذي يرجعون إليه حتى يمكن الوصول إلى نتيجة واحدة بين المتحاورين وإذا كانت الشريعة قد أكّدت على المسلمين عند تحاورهم وتناقشهم ونزاعهم أن يكون مرجعهم الكتاب والسنة كما في قوله تعالى {فما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله} وقوله {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}. وختم معالي الشيخ سعد الشثري ورقته: «أدب الحوار» بقوله: نحن في أشد الحاجة في وقتنا الحاضر بأن نتحاور ونتناقش ونتمكن من الوصول إلى الحق ونحتاج إلى أن يكون هذا الحوار مبنياً على أساس صحيح وأخلاق فاضلة وتستخدم فيه الأقوال الطيبة وأثنى الشيخ سعد الشثري على المواسم الثقافية ومنها «أثنينية عثمان الصالح» وشكر معالي الشيخ سعد الشثري المشرف على الأثنينية الأستاذ بندر بن عثمان الصالح على أحيائه لها وأن تكون مستمراً مشيداً بجهود الشيخ عثمان الصالح - رحمه الله- التربوية والعلمية ومن ذلك ماهماته الفقهية وعمله في رئاسة الإفتاء ورئاسته لمجلة «البحوث الإسلامية».
المداخلات
وتوالت المداخلات عقب الانتهاء من المحاضرة من الأستاذ محمد التونسي مدير عام مجموعة قنوات MBC في المملكة واستذكر في مداخلته معرفته بالشيخ عثمان الصالح من حين أن كان في الثانية عشرة من عمره وكان يراه في مجلس الشيخ عبدالعزيز بن صالح إمام وخطيب المسجد النبوي ورئيس محاكم المدينة المنورة. وتحدث الأستاذ التونسي عن مواقف الوفاء مع الشيخ عثمان الصالح حينما كان في صحيفة الاقتصادية. وختمت الأمسية بتقديم وسام «اثنينية عثمان الصالح» للمحتفى به معالي الشيخ سعد الشثري.
** **
@ali_s_alq