عبده الأسمري
تقاس الأمم والمجتمعات بثقافة محيطاتها الاجتماعية ورقي شرائحها وأطيافها في السلوك والمسلك، وتأتي الثقافة على رأس هرم الارتقاء بالأدب والسمو بالمعرفة وصولاً إلى تصدير معان ثقافية تعتمد على مؤشرات التنافس وتعتمد على معايير النجاح وترتهن إلى مقاييس التفوق..
نواجه خطراً حقيقيا بات واقعاً يثير البؤس والضيق مما نراه من بث مخجل يدعو للسخرية في وسائل التواصل الاجتماعي، وخصوصا في برنامج «التيك توك» وفي «السناب» الأمر الذي أخرج لنا (عاهات بشرية) يتقنون مهازل. (السخافات) التقنية بشكل بات يتجاوز حد العقل، ويؤكد أن بيننا مرضى ومجانين وأغبياء وتافهين كانوا ينتظرون ساحات مفتوحة من الالتقاء ببعضهم لتظهر ثقافتهم الضحلة على مرأى ومسمع من العالم..
ضحكات مستهجنة وعينات بشرية تعتمر الأزياء الرثة والمخجلة، ونساء بلا تعليم ودون تربية خلعن رداء الحياء، ومراهقين وشباب بعضهم لم يكمل المرحلة الابتدائية، وآخرون عاطلون باطلون خارجون من عنابر التخلف إلى ساحات التزلف، ونماذج عندما تراها وتتمعن في محتواها فإنك ستسجد لله حمداً على نعمة العقل، كل ذلك في بثوث ساذجة نتمنى إيقاف سخافاتها، فالمستقبل لا يحتمل وجود هذه الفئات، فالثقافة عنوان أصيل لا يحتمل تفاصيل العته والسفه.
صيحات غبية وتشوه بصري كامل ولغة ساذجة سامجة ومفردات تحمل لهجة الشارع وعبارات غير مترابطة وتعابير وجوه يخال إليك أنك أمام عروض للسيرك وهيئات تثير الشبهة تظن أنك في عصور مظلمة، وملامح تنزع منك طمأنينة المنطق وتضعك حول مناظر بائسة تراها بعين العقلانية وتنتقدها بضمير الإنسانية فتخنقك العبرة على انتماء مثل هؤلاء إلينا، لنرى أنهم قد ينتمون إلى فئات أخرى لا تشبهوننا أبداً.
تتعالى أصداء المصيبة الثقافية في أن هنالك جمعا من المراهقين ورهطا من المطبلين يقبعون خلف جوالاتهم لاستقبال سيل من التفاهات اليومية، وما أدهى وأمر توجيه دعوات لهؤلاء «المفلسين» تعليمياً و»المعدمين « ثقافياً والاستعانة بهم في الانشطة، فإلى أين الانحدار بعد هذا السقوط المحزن.
على جانب آخر يتبارى مبتعثون لدينا في جني المراكز الأولى في اختراعات وابتكارات من عقر دار أوروبا وأمريكا واستراليا ويتنافس مثقفون آخرون في القصة والرواية والشعر والنقد مع نظرائهم في دول أخرى للظفر بجوائز دولية في الأدب لرفع اسم الوطن عالياً، ويقضي مهتمون بالأدب جل وقتهم في معاقرة القراءة ومسامرة الكتابة لإنتاج كتب ومؤلفات وإصدارات تضاف للمكتبة العربية وترفع رصيد الثقافة لدينا وتكون منابع للمعرفة، ولكن الاهتمام بهم قليل، فالأجواء باتت مفتوحة للصخب والتصوير والمنافسة في السخف..
والأدهى والأمر أن بعضا من هؤلاء يطلق على نفسه مسميات المثقف والإعلامي والمؤلف والكاتب وهو لا يجيد الحديث ولا يتقن حتى الإملاء ولا الكتابة وبعضهم -ويا للسخرية- يخرج إلينا قائلاً: اليوم لدينا محتوى!! وهذا كلام خطير ينطلق من أفواه اعتادت «التفاهات» وتبرمج من عقول امتهنت «السفاهات».
يجب ردع هذه الفئات ومنعهم من حول ساحات «الأدب» لأنها لا تقبل الشوائب، وترفض الدخلاء وليبقوا في مساحاتهم التقنية المخجلة يتبارون فيما بينهم بالسفه والعته.
وعلى جميع الجهات لدينا بكل اتجاهاتها منعهم من الارتباط أو مجرد التفكير في الانتماء لمنصاتها وأنشطتها حتى لا يتشوه الوجه الأصيل للرقي الأدبي والسمو الثقافي بمثل هؤلاء الساذجين.
لدينا تحديات ومنافسات تقتضي أن نسير بتنافسية وبتفوق إلى صناعة مستقبل ثقافي تقارع به الأمم وليس مقاطع ومشاهد ومسميات تجعلنا في دوائر نقد قد لا نخرج منها..
المستقبل الثقافي مسؤولية كبرى وأمانة يحملها مسؤولو الثقافة في الوطن والمنصات والمحافل الأدبية ويحمل لواءها المثقفون والأدباء والكتاب الأصليون والمعروفون والمشهود لهم لذا آن الأوان لردع السفهاء وإخراجهم بسطوة العقل وسلطة المنطق وإعلاء كلمة الثقافة وتوظيف مشاهدها بكل اقتدار واعتبار.