د.عبد العزيز سليمان العبودي
صعد طارق سلم الطائرة الصغير من طائرات يونايتد إيرلاينز التي ستنقله من مطار بورتلاند الخضراء إلى مطار واشنطن دالاس. هذا الإخضرار اكتسبته من جهتين، فمن جهة تتميز ولاية أوريغون بشدة إخضرار نباتاتها أكثر من الولايات الأخرى والجهة الأخرى هو اهتمام مدينة بورتلاند بأن تكون مصادرها للطاقة خضراء ومتجددة. في مطار واشنطن سيغادر طارق على متن الخطوط السعودية إلى الرياض. هذا هو اليوم الأخير الذي سيقضيه في الولايات المتحدة بتأشيرة طالب، بعد أن حصل على شهادة الدكتوراه في الهندسة الصناعية من جامعة ولاية أوريغون العريقة.
انتهى هذا اليوم الطويل بين المطارات والحقائب، وتذمر الأطفال ليتبعه يوم آخر في وطنه وبين أهله وأحبابه، حيث استقبال الوالدين، والأهل والمدينة التي ولد ونشأ فيها، والجامعة التي حصل منها على الشهادة الجامعية وعلى الوظيفة والابتعاث فحان موعد رد الجميل. الزيارة الأولى لجامعته، يعود إليها الآن حاملاً شهادة الدكتوراه، لها شعور مختلف. ولا يمكن وصف مشاعره حين دخل على مكتب رئيس القسم الدكتور عثمان، كزميل وليس طالباً أو معيداً. وقد استقبله بالترحيب والحفاوة، وحزمة من النصائح والإرشادات، خرجت من قلبٍ ناصح، ومن واقع تجربة.
أحد أهم الأمور بالنسبة للدكتور طارق هو المكتب، الذي كان يحلم به عندما كان طالباً، حيث كان يراجع الأساتذة في مكاتبهم فيرى هذا المكتب وكأنه مصنع لإنتاج وتدوير العلم. ولعل هذا الحلم لم يكن جاهزاً تماماً كما أراد، فقد فاجأه الدكتور عثمان بقوله: لا يوجد مكتب شاغر في الوقت الحاضر، ويمكنك استخدام أحد المعامل خلال هذه الفترة، وأتبع قائلاً، لن يطول هذا الأمر بإذن الله، فقد علمت أن أستاذنا الدكتور سالم سيتقاعد خلال الأيام القادمة، وسيسلم مكتبه ليكون بإذن الله من نصيبك. رد الدكتور طارق: ليس لدي مشكلة في الانتظار، وقد ذكرتني بالدكتور سالم فهو يستحق الزيارة والسلام، فله فضل كبير علينا خلال تدريسه لنا. فخرج من مكتب رئيس القسم متوجهاً للدكتور سالم فوجده مفتوحاً كعادته تفوح منه رائحة القهوة، فاستأذن ودخل عليه، وبعد السلام والتحية، قال الدكتور طارق: اسمح لي يا دكتور سالم أن أقول لك إن وجهك متغير علي، فلم أعهدك إلا هاشاً باشاً. وأما اليوم فابتسامتك لا تتعدى الثواني، ثم تتبدل فما الخطب؟. فرد الدكتور سالم لا عليك يا بني. فنحن في هذه الدنيا مسافرون ومتنقلون. وكما هو هذا يومك الأول كأستاذ جامعي. فهو بالنسبة لي «اليوم الأخير».
** **
- جامعة القصيم