د. عثمان عبدالعزيز الربيعة
أُتيح لي في أوائل هذا العام الهجري الاطلاع على: (موسوعة الدنانير والدراهم الأمويّة العربيّة) من تأليف الأستاذ علي بن إبراهيم العجلان؛ وهي موسوعة جمعت بين سِمة الأطلس بورقها المصقول وطباعتها الجيّدة وصورها الواضحة الجليّة، وبين سِمة دائرة المعارف بما احتوته من معلومات شاملة ودقيقة في تفاصيلها وتواريخها؛ في تنظيم منهجيّ رائع، كان وراءه سبع سنوات سِمان من الجهد العلمي الشاق وأربعون سنة من الاهتمام والمتابعة.
ومع أنّي لست مختصّ أو متابع ومطّلع على تاريخ النقود وتطوّرها، إلّا أن غزارة المعلومات وتنوّعها وأسلوب عرضها شوّقني لقراءة الموسوعة بتمعّن (مع نظرة عابرة على الجداول المفصّلة جدّاً). ومن الممتع أن يطّلع القارئ لهذه الموسوعة على مراحل التطوّر التدريجي في التعامل مع النقود في الدولة الإسلامية منذ عصر الخلفاء الراشدين الذي كانت الأولوية فيه لنشر الإسلام خارج جزيرة العرب، فاستمرّ التعامل بالدراهم والدنانير الساسانية والرومية بدون تغيير؛ ثُمّ تلاه عصر خلافة معاوية حتى أول عصر الخليفة عبدالملك بن مروان، وكان التركيز فيه على ترسيخ أسس الدولة الأموية والقضاء على مناوئيها في الداخل وخارج الحدود، بحيث لم يحصل إلّا تعديلٌ بسيط في الرسوم المنافية لدين الإسلام. لكنّ التعريب التّام على الدنانير والدراهم جرى منذ عام 78 هـ، فاقتصرت في كلّ وجه على جمل توحيدية وتاريخ ومكان السك وكانت دوافع التعريب الصّرف تتمثّل في:
• نشر وترسيخ عقيدة التوحيد التي هي لُباب الدين الإسلامي.
• استقرار الخلافة الأموية وإحكامها السيطرة على البلاد المفتوحة.
• إبراز قوّة الدولة العربية الأموية وإمكاناتها الاقتصادية وهيبتها.
• تأكيد استقلال دولة الإسلام عن الارتباط بالاقتصاد البيزنطي.
ورافق هذه السياسة والتوسّع في الفتوحات، إنشاء العديد من دور سكّ النقود - الدراهم على وجه الخصوص- في مُدن المناطق التي تسيطر عليها الدولة، بحيث تكون متاحة للتعامل أمام ولاة الدولة لتصريف شؤون الحكم، والتجار وأهل البلاد من مسلمين (دفع الزكاة) وغير مسلمين (دفع الجزية عوضاً عن الزكاة). وكان عدد مدن ودور السكّ وعدد المسكوكات يتفاوت حسب مدة الخلافة ونطاق الفتوحات، فكان أكثر الخلفاء إطلاقاً: عبدالملك بن مروان (67 مدينة و199مسكوكة)، والوليد بن عبدالملك (61 مدينة و277 مسكوكة). وكانت عاصمة الدولة الأموية - دمشق- هي المدينة الوحيدة التي سُكّت فيها الدنانير، لقيمتها الكبيرة وقلّة تداولها والحاجة إلى إتقان سبكها وإحكام الرقابة عليها. وقد قامت بعض حركات الخوارج والثائرين العباسيّين في عصر الخلافة الأموية بسك الدراهم في مناطق سيطرتهم وكتابة شعاراتهم عليها، لإبراز قوّتهم واستقلاليتهم.
وما ذكرته هو غيض من فيض من معلومات وتفاصيل تضمّنتها هذه الوثيقة الموسوعيّة التي كشفت لأنظارنا صفحة من صفحات التاريخ كانت مطويّة لا يطّلع عليها إلّا الباحثون المتخصّصون. وأتمنّى أن تحوى كلّ مكتبة عامّة وجامعية هذه الموسوعة، لكي تكون مرجعاً مُتاحاً لكلّ باحث وراغب في المعرفة. وأتمنّى كذلك أن تخرج إلى النور قريباً الموسوعة الأخرى التي يعمل الأستاذ علي العجلان على إنجازها- وتوثّق تاريخ النقود في العصر العباسي الطويل والمتقلّب في حكّامه ودويلاته.